عرض مشاركة واحدة
قديم 04-18-2005, 11:07 PM   #12
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

نداء المنصورة
سالم علي عبدالله الجرو
أشكرك ـ عزيزي زعيم عدن ـ لتذكرك بعض عناوين مقالات قصيرة كتبت في الماضي ، وإنّي والله لأحسدك على ذاكرتك القوية ، أمّا عن ذاكرتي إن سألت فسبحان الذي يغير ولا يتغير ، فلم تعد بذاك المستوى لأسباب عدّة ، أهمّها:
أوّلا: عامل السّن . ثانيا: الانشغال بأشكال وألوان الإستعمار ، وعند هذه ـ ياعزيزي ـ يا ساكن المنصورة أود أن تتبعني فيما أكتب لتعلم عن ضيم وقهر وذلّ وإحباط . نعم حبّبوا إلينا مقاومة الإستعمار ، وكانوا يقولون من على المنابر:[.... الإستعمار البغيض بكافة أشكاله وألوانه ] ، وذلك في الستينيات من القرن الماضي ، وفي حينها كان شكل من أشكال الإستعمار منظور أمامنا: مندوب سامي ـ إستخباراتي في صورة خبير زراعي ـ جنود إنجليز في عدن ، إلا أننا نجهل بقية الأشكال لحداثة سننا وقصور وعينا , وكنت جريئا عندما سألت زميلي في المتوسطة الذي كان يتقدمنا في المسيرات ويملي علينا الشعارات . سألته: ما معنى أشكال وألوان الإستعمار ، وجاء جوابه سريعا ولكن يطابق تماما قول الشاعر:
وكأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماءُ
حتّى جاء زمن الضيم والقهر والذّلّ والإحباط ، وبدأنا في قراءة الوجه الجديد للإستعمار .
ثالثاً: وهذه مسألة خاصّة إلا أنها ذات تأثير سلبي قوي على الذاكرة ، فلقد دفعت دراهما معدودات وأنا سليم العقل ، صحيح البدن إلى وسيط ادّعى النّزاهة وقادني إلى آخر لا يتكلم إلا بلغة النار ضد المتلاعبين بالمال العام . هذا الثوري الناصح الأمين باعني أرضا واستلمت وريقات عليهن إمضاءات لأسماء معلومة في دائرة الإسكان ، وسرّ أولادي وأيقنوا بأنهم ذات يوم سيسكنون في المدينة الساحلية . لن أطيل عليك يا ابن المنصورة ، الأرض سطا عليها قوي وذهب المال وبقي الرجال تحت عضّات أنياب الدّهر . طرقت الأبواب ثانية ، وهذه المرّة حرصت أيّما حرص ودفعت راغبا عندما تيقنت أن الأرض موثقة ، ستكون سكن لعائلة تتكون من سبعة هم أيضا موثقون في مستندات ووثائق سفر صحيحة . كانت فرحتنا لا توصف لأننا أيقنا بأننا قاب قوسين أو أدنى من منزل سيكون لنا فوق أرض لنا في بلاد لنا تحت علم لنا نحبه ونجله ونفديه بأرواحنا ، خاصّة عندما برز ختم مهيب هنا وهناك فوق توقيع هنا وهناك في مستند لا يقبل التشكيك بجانب اسم لا مع . أيضا لن أطيل عليك وحسبي المثل الحضرمي: [ وقع ذبحها بذبح أمّاتها ] .
الآن ـ يا عزيزي ـ تذكرني بمقالات قديمة عن الوحدة العظيمة في اليمن العظيم وسؤالي لك أنت بالذّات: هل أنا سالم علي لي شيء من العظمة تلك؟ إذا كان الجواب بالإيجاب فأثبت ، وإن كان بالنّفي ، فإلى أين ذهبت العظمة؟
وكنت من كربتي أفرّ إليهمُ فهم كربتي فأين الفرارُ
كثيرة هي الهموم التي تؤثر على الذّاكرة ، فأنت وأنا ننتمي إلى العرب ، فانظر لترى أين نحن العرب ، ولأنك أنت وأنا من البلاد السعيدة:
خذ ما تراه ودعْ شيئا سمعت به في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحلِ ثم تعال ياابن اليمن يا ساكن المنصورة لنناقش[ الحتّة دي بالزّات ] آه... أمّال إيه( آسف هذه لغة السينما التي تسلينا بعض الشيء ) .
هب أنك وأنا من تجار القرن الواحد والعشرون ، يا ترى يا أيّها التاجر المفترض أي بند سنتابع يوميا ، بند المصاريف أم بند الأرباح؟ إنه بند المصاريف كي نحد منها وتزداد أرباحنا ، وسنغضب إن زادت المصروفات ونفصل ونوظف . كذلك حال الأفراد الذين يصل تعدادهم إلى عشرات الملايين ، تتم متابعة الفقراء والمستضعفين للحد من الفقر وإزاحة المظالم ، لا أن نتوجه إلى الثري لنتحدث عن زيادة ثرائه بتهيئة الأجواء لمزيد من الثراء عبر بناء مساكن ومستشفيات ومدارس تجارية وفنادق والحبل على الجرّار ، ونترك طاحونة الفقر تعبث بشباب البلاد السعيدة الذين يحتاجون فقط إلى تأهيل ، أو نترك الفلاح والأرض لمفاجآت الزمن الذي يقوده الأثرياء .
هناك مثل يقول: [ عندما يفلس التاجر يعود إلى دفاتره القديمة ] ، وهذا ينطبق على الغارقين في أتون الماضي البعيد يذكروننا بأيّام خلت في عاصمة الرشيد وبلاد الأندلس ، وإن هم تعصرنوا يكررون دون كلل أو ملل انتصارات الأمس القريب على كل شيء إلا الثالوث البغيض ، وأنت وأنا غير معنيّان بتلميع صورة في ظرف ما لسبب ما وهدف ما . أنت وأنا معنيّان بالإستقرار والعيش الكريم وكفى وذلك لن يتأتّى إلا على أرض نحتضنها جميعنا وتحتضننا جميعنا لتخلد ذكرانا كما خلّدت ذكرى يعرب وبلقيس .
نعم ـ يا سيّدي فرغنا من الوحدة العظيمة ولكننا لم ننته بعد من مظاهر خانقة ثلاثة:
المظهر العشائري بتعقيداته وثأراته ونزاعاته ـ المظهر العسكري بما يعنيه من استنزاف للمال ـ المظهر الدّيني بما يعنيه من تعصّب وتصلّب فكري وتطرّف. فضلا عن المظهر السيء لشجرة الهلاك ، شجرة القات التي تقود إلى الموت السّكات .
أنت وأنا ـ يا عزيزي ـ والملايين مثلنا سنكون تحت تأثير إن سلبا وإن إيجابا ، وهنا سيتأثر كل شيء بما فيه الذّاكرة ، وأعترف لك بأن ذاكرتي ضعفت ، ومن يدري:
فلعل يسرٍ بعد عسرٍ علّها ولعلّ من عقد الأمور يحلّها .
  رد مع اقتباس