الموضوع: لورنس العرب
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2009, 08:59 PM   #4
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

وبعد انفرادنا في الغرفة جرت بيننا المحادثة التالية ، أسوقها إلى القارئ الكريم بأمانة ، وإذا كانت السطور الآتية تختلف عن حديثنا في شيء فإنما في الألفاظ ، وليس في المعاني ، ورغبة مني في الإختصار فسوف أرمز إلى لورانس بالحرف: [ ل ] وإلى أسمي بالحرف: [ س ]:
ل – إني وصلت البصرة هذا الصباح قادما من مصر لغرض الإتصال بك شخصا ، لذلك طلبت حضورك إلى هنا حال وصولي .
س – أشكرك ، وأرجو أن تسامحني إذا سألتك عما إذا كان أحدنا قد تشرف بمقابلة الآخر قبل اليوم .
ل – كلا ، لم يسبق أن تعرف أحدنا على الآخر ، ولكني أعرفك جيدا ، أو بالأحرى أعرف عنك الشيء الكثير ، خاصة عن أعمالك .
س – كيف ولماذا عرفتني؟ ثم ما الذي تعنيه بأعمالي؟
ل – أعني أعمالك السياسية . قلت: أني أعلم كل شيء عنك فأرجو أن تخبرني بالحقيقة كاملة.
حثني عن جمعية العهد ومدى قوتها .
س – لا توجد جمعية بهذا الإسم ولا بغيره ، كما وأني لم أسمع عن وجود أي جمعية في البصرة منذ الإحتلال .
ل – أرجو أن لا تخفي عني شيئا .
س – تأكد أنه لم يبق لتلك الجمعية أو لغيرها أثر في عهد الاحتلال ، كما وأنني شخصيا نفضت يدي من كل موضوع يمت إلى السياسية بصلة ، وقد حصرت جل همي في أشغالي التجارية وأموري الخاصة .
ل – ألم تكن قبل الحرب نائبا معارضا للإتحاديين في مجلس النواب العثماني.
س – كنت .
ل – ألم تكن منتسبا إلى حزب اللامركزية وجمعية العهد؟
س – نعم كان ذلك قبل الحرب أما الآن........
ل – ألم تعمل على بث الفكرة القومية العربية في العراق ، لا سيما في الموصل؟
س – نعم هذا صحيح .
ل – أخالك لا تزال حذرا مني ، فلكي أزيل هذا الحذر أبلغك تحيات بعض أصدقاءك ، الذين طالما أثنوا على كفاحك في سبيل القضية العربية ، وأطروا على جهادك في مضمار القومية ، مما حدا بي إلى مقابلتك والاعتماد عليك لانجاز مهمتي الخطيرة . أما أولئك الأصدقاء فهم: عزيز علي ، والسيد رشيد رضا ، ورفيق العظم ، وحقي العظم ، وحسن خالد الصيادي .
س – أشكرك على ثقتك بي ، كما أشكرهم على حسن ظنهم وجميل ثنائهم . إني في الحقيقة لم أقم بعمل يستحق الذكر .
ل – هذا تواضع . على كل فإني أرجو أن تكون الآن في غاية الاطمئنان ، وأن لا تخشى بأسا . إني أثق بك وأصدق كل مت تقوله ، فأخبرني عن جمعياتكم وعن مدى قوتها . إنك تعلم أننا أعداء الترك ، وزيادة على ذلك فإني أعاهدك على كتمان المعلومات السرية التي سوف تدلي بها إلي .
س – تأكد أنه لا توجد الآن في البصرة أية جمعية . وكل ما ذكرته كان قبل الحرب .
ل – ما هو مدى لاتصالك بعزيز علي؟
س – لم يسبق أن قابلته ، وإنما تجمعني وإياه رابطة المبدأ . عرفته قبل أن يعرفني لصيته الذائع . أما هو فقد عرفني يوم سجن في الأستانة وحكم عليه بالموت ، فكان فريق من أصحابه وبعض أقاربه ولفيف من أعضاء جمعية العهد والضباط العرب يجتمعون في داري بالأستانة لتدبير أمر نجاته . حتى يسر اله أمر خروجه من السجن وسفره إلى مصر .
ل – كيف ومتى عرفت السيد رشيد رضا ورفيق العظم وحقي العظم وحسن خالد؟
س – تعرفت بالسيد رشيد رضا حين زار البصرة قبل خمسين سنة ، ثم التقينا مرارا في مصر . أما الآخرون فقد تعرفت عليهم أثناء زيارتي لمصر في الطريق إلى الأستانة . هذا علاوة على الإتصال الكتابي والمراسلة المستمرة التي كانت بيني ، بصفتي سكرتيرا للجمعية الإصلاحية ولحزب الائتلاف ، وبينهم بصفتهم أقطاب الفكرة العربية .
ل – ما هي علاقتك بياسين الهاشمي؟
س – إني أعرفه مذ كنا طلاب في المدرسة ، ثم توثقت صداقتنا عندما ذهبت إلى الموصل عام 1912 تأسيس جمعية إصلاحية فيها ، ولبث الفكرة القومية العربية بين أبنائها .وكان ياسين في ذلك الوقت قائدا لحامية الموصل ، وكان هو الآخر متحمسا للفكرة ، فكان يعنيني في مهمتي ويسهل لي الاجتماع بالضباط العرب سرا .
ل – أتدري أين هو الآن؟
س – كلا .
ل – إنه في أدرنة قائدا لحاميتها . وقد أرسلته الحكومة الاتحادية على هناك بعد أن افتضح أمر انتمائه إلى جمعية العهد .
س – لم أكن أعلم بذلك .
ل – أتعرف نوري الشعلان؟
س – كلا .
ل – ماذا تعلم عن محمد النجيفي من أهالي الموصل؟
س – أعرفه ، فهو من وجهاء الموصل .
ل – إنه اتحادي أليس كذلك؟
س – حينما كنت في الموصل علمت أنه اتحادي ، كذلك كان الكثيرون غيره.....
ل – هل تربطك بالأمير عبدالعزيز السعود معرفة أو صداقة؟
س – عرقته شخصيا منذ سفرتي إلى نجد بصحبة السيد طالب النقيب . لقد نزلنا في ضيافته ، ولقيت منه محبة وتوددا ، حتى أنه فاتحني أكثر من مرة طالبا بقائي في خدمة إمارته ، فاعتذرت .
ل – هل تعرف الشريف حسين شريف مكة؟
س – نعم قابلته مرتين أو ثلاثة في مكة ستة 1910 أثناء وجودي فيها لأداء فريضة الحج .
ل – هل تعرف أحد من أولاده؟
س – تعرفت على الشريف فيصل نائب جد في مجلس النواب العثماني حين كنت نائبا عن البصرة . ورأيت الشريف عبدالله في مكة والأستانة دون أن يحصل بيننا تعارف .
ل – أتدري أين الشريف فيصل الآن؟
س – كلا .
ل – إنه الآن في الشام .
س – ليس لي علم بكل ما يجري في البلاد العثمانية ، بسبب انقطاع البريد بين البصرة ويبن الأقطار العربية التي لا تزال في قبضة الأتراك .
ل – من تعرف من أهل سوريا؟
س – لي أصدقاء كثيرون هناك مثل محمد كرد واخوانه ، وشكيب أرسلان ، وفوزي العظم ، وشكري العسلي ، وعادل أرسلان ، وبديع المؤيد ، وعبدالحميد الزهراوي ، وسليم الجزائري ، وفارس الخوري ، ومحمد بيهم ، وسلام علي سلام ، وأحمد طبارة ، والشيخ عباس الأزهري ، وبشير القصار، وعبد الغني العريسي ، وطه المدور ، وعمر حمد ، وعبدالكريم قاسم الخليل ، وغيرهم .
ل – هل تعرف عبدالرحمن باشا اليوسف؟
س – نعم .
ل – كيف ترى وضع الضباط العرب في الجيش العثماني الآن؟
س – أعتقد أن أكثرهم غير مرتاح من الترك .
ل – هل تعلم السبب الذي حدا بي إلى القدوم إلى البصرة ومقابلتك؟
س – لا ، أبدا .
ل – غاية جليلة جدا ، فيها استقلال بلادك وسعادة العرب في مختلف أقطارهم وفيها تقدمك معنويا ، واستفادتك ماديا إذا عاضدتني وأنجزت المهمة التي سوف أعهد إليك القيام بها .
س – يا حبّذا سعادة البلاد واستقلالها . ولكن كيف يتسنى لي أن أعاضدك وأنا فرد . وما هو هذا العضد الذي ترتجيه مني يا ترى؟

ضرب على الوتر الحساس
( وهنا اعتدل لورانس في جلسته ، , وأطرق قليلا كمن يستجمع شتات فكره ، ليصوغ عبارات الحديث الخطير الذي سوف يدلي به ، ثم نابع حديثه قئلا:
ل – إني شغوف بحب العرب ، مفتون بسجاياهم ، حريص على كل ما ينفعهم . وقد سنحت لي الفرصة الآن بتحقيق أمنيتي بتقديم خدمة عظيمة إليهم ، وخاصة العراقيين منهم ، بأن أعمل على إنالتهم استقلالهم .
إنها يا سيدي فرصة ذهبية ، ذلك أن أكثرية الشعب الإنجليزي لا ترتاح إلى استعمار بلاد جديدة بعيدة عن الجزر البريطانية ، وهذه الأكثرية الشعبية تسند حزب الأكثرية في البرلمان . فمن الواضح إذن أن لا تفكر الحكومة البريطانية في استعمار البلدان التي سوف تصبح تحت الاحتلال البريطاني بعد الحرب ، وهي بدون شك عازمة على إفساح المجال للشعوب العربية كي تتمتع باستقلالها وتنال حقوقها ، بشرط أن يساهم العرب أنفسهم في الحصول على ذلك الاستقلال ، وأن يبرهنوا على رغبتهم فيه .
وهناك على ما أعتقد وسيلة واحدة لتحقيق ذلك ، ألا وهي الثورة على الأتراك ، فإذا أعلن العرب الثورة على الأتراك وحاربوهم بجانب الجيوش البريطانية ، فيكون لهم الاستقلال والحرية . إما إذا قبعوا في دورهم ، آملين أن تمنحهم بريطانيا الاستقلال بعد نصرها ، فذلك أمر غير مقبول ، خاصة وأن بريطانيا مسئولة أمام حلفائها عن تصرفاتها تجاه الشعوب الخاضعة للحكم العثماني . إذن فلا بدّ من الثورة لتنال البلاد العربية استقلالها . وقد فوضتني الحكومة البريطانية لإشعال تلك الثورة وبذل ما يلزم لها من المال والسلاح وغير ذلك ، كما خولتني حق اتخاذ جميع الوسائل ، والطرق التي تكفل نجاحها . وإني قد اخترتك لتقوم بمهمة إذكاء نار الثورة ، بعد الذي علمته عنك من رجال القضية العربية البارزين في مصر . فإن أقدمت فإنك واجد كل ما تحتاج إليه من وسائل هذه الثورة ، فسأضع تحت تصرفك البنك بكامل أمواله ، وسيمدك الجيش بما تشاء من السلاح . فهيا إلى العمل في سبيل القضية العربية ، وفي سبيل استقلال بلادك وحرية قومك .
س – إنك غير موفق على ما أظن في اختيارك إياي للقيام بمثل هذه العمل الجبار . فأنا رجل متحضر لا تعضدني عشيرة ، وأنا متوسط الحال ليس لي نفوذ الأثرياء وسطوة الإقطاعيين. إنك بحاجة إلى رجل ذي نفوذ عظيم وشهرة واسعة بين الناس ، وأنا لست بهذا ولا ذاك . أضف إلى هذا شعور العداء الذي يكنه العراقيون لبريطانيا بعد الذي لمسوه من معاملة سيئة وازدراء مشين على أيدي رجالها العسكريين .
ل – ربما كنت أنت الواهم يا سيدي فيما ذهبت إليه ، فليس النفوذ والثروة هما كل شيء في الموضوع ، وسيكون المال الذي وعدتك الذي وعدتك به كفيل بسد احتياجك وعامل على جذب الجمهور إليك . أما النفوذ الذي ذكرته فليس أهون ن تدبير أمره ، ذلك بأن تنصب لك خياما في جهة من البصرة ، وتلحق بخدمتك عددا كبيرا من الحرس والخدم والتابعين ، وتهيئ الزاد للوافدين والضيوف ، وتجزل الهدايا وتمنح العطايا للأنصار والمؤيدين . حينئذ سيقبل عليك أفواجا أفواجا ، أما ما ذكرته من كره الشغب العراقي للإنجليز فليس ذي بال ، وهو شعور مؤقت ، سيزول حتما في مدة وجيزة .
س –إن خطتك قد تنجح على شرط أن يقوم بها رجل آخر ، ولعل السيد طالب باشا النقيب يستطيع أن ينجز هذه المهمة ، على الوجه الأكمل ، فلماذا لا تفاوضه في منفاه في الهند؟ .
ل – إن الحكومة تفضل بقاء السيد طالب في الهند . فأرجو أن تعتمد على نفسك ، وأن تثق بمقدرتك ، واعلم أن للإخلاص والمقدرة أهمية أعظم بكثير من النفوذ والمال .
س – لقد أبنت رأيي صراحة بأنني لا أستطيع القيام بهذا الأمر ، فابحث عن غيري ، ولك مني الإرشاد . اذهب إلى أحمد باشا الصانع وفاوضه لعله يقبل ، فهو ذو كلمة مسموعة في البصرة وذو علاقة متينة بعشائر المنتفك .
ل – إن العلم والمقدرة يؤهلان المرء القيام بأخطر المهام . فأرجو أن توافق على قيامك شخصيا بهذا الواجب المقدس دون أن ترشدني إلى أحد سواك .
س – قد يكون للمقدرة والعلم المقام الأول في تقدم الرجال عندكم ، أما هنا فالناس يلتفون حول ذوي الألقاب وأصحاب الجاه العريض والغنى الفاحش .
ل – دهنا من الجدل ، وأقدم على الأمر إقدام الواثق من الفوز ، ولك من المال الذي أضعه تحت تصرفك عونا وأي عون .
س – لا يحفاك أني أمارس التجارة في الوقت الحاضر ، ولي مع سائر أنحاء الهند والخليج علاقات تجارية واسعة . أفلا تتصور مقدار الأضرار التي سوف تلحق بي وبعملائي لو أني أقدمت على هذا العمل .
ل – تفضل وقدر الأضرار التي تتصور أنها ستلحق بك ، فادفعا لك شيكا على البنك حالا .. كعربون . إن الثروة التي تنتظرك لو أقدمت على العمل لعظيمة جدا ، وما أرباح التجارة بالنسبة إليها إلا كقطرة في بحر .
س – هب أني نلت ثروة عظيمة . أفلا تظن أن الترك سوف ينتقمون من أبي وإخوتي وأقربائي في الموصل ، إن الترك لن يغفرون لي مثل هذا العمل ، ولا أهلي الذين سيذهبون ضحية إقدامي عليه .
ل – إن من يطلب الاستقلال لبلاده والمجد لشعبه ولنفسه ، يهون عليه حتى مقتل أبنائه في سبيل ذلك .

الصراحة أجدى
( وهنا اعتدلت في جلستي ، وعزمت على أن أصارحه بوجهة نظري الحقيقية ):
س – أريد الآن أن أصارحك بالحقيقة كاملة ، إذا ضمنت لي السلامة وكتمان الحديث .
ل – إني أرجو أن تصرح بكل ما يجول في خاطرك ، ولك عهد بكتمان السر .
س – إني شخصيا لست أرى مبررا إلى الانتقام من الترك ، إذ ليس بيننا وبنهم عداء ، وإنما العداء مستحكم بينهم وبينكم فحسب .
ل – عجيب ما تقول . أليس الترك أعداءكم؟ ألم يستعبدونكم القرون الطوال؟ ألم تحاربوهم بألسنتكم وأقلامكم؟ أما انتظمتم في جمعيات سرية وتآمرتم على حكمهم ، وودتم لو أخرجتموهم من دياركم؟ .
س – لا تعجب مما قلت . فالترك لم يستعبدونا بالمعنى الصحيح ، لقد كان العربي والتركي سواسية أمام القانون ، وكانت أبواب الوظائف الحكومية ومراتب الجيش مفتوحة للجميع ، فبإمكان التركي أن يرقى في المناصب حتى يصبح واليا أو وزيرا ، كذلك العربي إن هو أثبت أهلية وجدارة ، ولم يكن بين الموظفين في البلاد العربية غير القليل من الأتراك ، أما الأكثرية فقد كانت من أبناء البلاد
العدو

دار عدوّك لأحد أمرين: إما لصداقة تؤمنك أو فرصة تمكنك .
كأمة تسعى على هذه الأرض لتعيش في وفاق مع الآخرين في إطار المحبة والسلام ، لا تصبر ـ كغيرها ـ على الضيم والذّل ، ومن القهر والضيم سلب الحقوق وقمع الإرادة ، ومن الواجبات المقدسة الدفاع عن الحقوق في الأرض والسيادة . هذه الأمة الصابرة مسلوبة الحقوق ناقصة السيادة في بعض أراضيها ، مكتومة الأنفاس شعوبها . إذا هناك خصوم وأعداء ، وعدو لدود اغتصب الأرض ويعمل على مصادرة السيادة ويسعى على تفتيت الأمة وتمزيقها . ولما يكون هذا العدو من الشراسة والصلف بمنزلة الأحمق المتغطرس المعتمد على ذراعه الحديدي ، كثور هائج في معرض خزف ، دون مراعاة لعرف دولي أو مبدأ إنساني وأخلاقي ، فإن مقاومته باتت أمرا مشروعا في طريق اقتلاع ظلمه وجبروته .
ومن الخزي والعار أن لا يتفق الأشقاء في الرؤية الواحدة تجاه الخصم كإسرائيل الجاثمة على صدور الأمة ، المدعومة من دول لنا معها عداء تاريخي ، وإن تبسمت لنا وابتسمنا لها فما ذاك إلا نفاق سياسي ، لكن أن يحتضنها الشقيق ويقبل بصداقة العدو قبل تسوية الخلافات واستعادة الحقوق دون مراعاة لأحاسيس ومشاعر أصحاب الحق وهي الأمة بمساريها القومي والديني ، فذاك ما لا ينبغي .
سئل بزجمهر: من أحب إليك ، أخوك أو صديقك؟ فقال: ما أحب أخي إلا إذا كان صديقي .
قيل لحكيم: بأي شيء تعرف وفاء الرجل ودوام عهده دون تجربة واختبار؟ ، فقال: بحنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وتلهفه على ما مضى من زمانه .

هذا العدو كيف يكون صديقا لشقيقي ومؤانسا ومؤازرا لابن عمّي؟ . ما هذه الفضائح ، وما هذا العبث السياسي في هذا الزمن الرديء ، إن كانت لدى الشقيق أوابن العم سياسة؟ .
لم نقرا في تاريخ أمّتنا المجيدة أي عمل عبثي في مصير الأمة من قبل صفوة رجالنا إلا من نفر هابط ، ظهرت لهم بذاءة وحقارة وخسة في تاريخ سقوط الأندلس واحتلال العراق الصامد العصي ، يتقزز منها صغار أمتنا العريقة .
الذي يحدد العدو من الصديق في الشأن القومي والإنساني من يعرف الأمن القومي وحقوق الإنسان وحقوق السيادة على الأرض . فعندما اجتهد لورانس عام 1916 في غرس مبدأ العداء المطلق للأتراك في نفس سليمان فيضي والعراقيين في سياق العمل العبثي إيّاه تجاه المصير ، من خلال حواره:
لورانس: ( ... أليس الترك أعداءكم؟ ألم يستعبدونكم القرون الطوال؟ الم تحاربوهم بألسنتكم وأقلامكم؟ أما انتظمتم في جمعيات سرية وتآمرتم على حكمهم وودتم لو أخرجتموهم من دياركم؟ ) .
جاء الردّ المسئول من رجل وطني خبير بأمته وثقافتها يعرف من هو عدو الأمة ويعرف كيف يميز بين الأعداء . كان ردّه ، ردّ القيادي الواعي المخلص لأمته:
سليمان: ( ... الترك لم يستعبدوننا بالمعنى الصحيح ، لقد كان العربي والتركي سواسية أمام القانون . أما نضالنا في السر والعلن ضد الحكومة العثمانية فكان في نطاق الشئون الداخلية ، ولغرض الحصول على بعض الحقوق المشروعة التي كانت قد أنكرتها على الشعوب العربية... فكفاحنا والحال هذه كان أشبه باختلاف حصل بين ورثة كل يطالب بحصة أكبر .......الخ ) .
في خضم الصراع العنيف والدّامي في الشام وبلاد الرافدين ، لا بل والمصيري بين العرب والأتراك حدد سليمان فيضي من هو العدو الحقيقي والخصم اللدود ، فوجده بأطماعه ووحشيته في بريطانيا التي تسببت عبر التاريخ ـ في أذى العرب وأوغلت فيه حتى بلغت أوصلته إلى جروح غائرة نازفة ، ولا تزال ، وهي اليوم متحالفة مع القطب الأوحد في مسعى لإذلال العرب وإخضاعهم للسيطرة .
هناك اليوم من ينظر إلى العدو التاريخي للأمة ، القاتل للأطفال والنساء ، المغتصب للأرض نظرة الصديق . نفى العدوانية الإسرائيلية الدائمة ليدخل في قاموس النفاق الصداقة العربية الإسرائلية ، ويحول العداء إلى المقاومة الإسلامية في فلسطين [ حماس ] ، والمقاومة اللبنانية: [ حزب الله ] .
لقد صدق لورانس في ما قال ، فسليمان فيضي وشلة من الأحرار أمثال السيد طالب بك النقيب وأحمد باشا الزهير ونيازي بك وغيرهم قاوموا الأترك عبر الصحافة والحشد الجماهيري والتحريض ومستعدين لرفع وتيرة المقاومة إلى الكفاح المسلح إلا أنهم يرون في بريطانيا العدو الظالم ، الشرس الذي لا يرحم ، والذي يجب استئصاله من بلاد العرب . من هنا لم يرضخ لمطالب لورانس بإشعال ثورة ضد الأتراك رغم المغريات التي قدمها له والوعود بقوة النفوذ والجاه .
كان سليمان فيضي جريئا في الحوار مع لورانس في رفضه إقناع الضباط العرب في مقاتلة الأتراك ، لأنه صادقا مع الله ومع نفسه ومع أمته . فعندما تظاهر لورانس بالصدق والنزاهة حول وعوده باستقلال البلاد العربية من خلال عبارات تتنافى مع النوايا ، لم يتردد سليمان في الرّد الصريح والجريء:
لورانس: ( إذا شئت فإني أقدم إليك تعهدا رسميا ، وبموجب هذا التعهد تستطيع أن تعدهم بضمان مستقبلهم ومستقبل البلاد ) .
سليمان: ( هب إنني اختلفت مع الإنجليز ، فماذا تفيدني العهود؟ غدا يقولون لي: اذهب إلى لورانس فهو الذي تعهد لك ) .
لورانس: إني أتعهد باسم الحكومة البريطانية ، وزيادة في اطمئنانك ، فسيوقع عليها السير برسي كوكس ممثل حكومة جلالة الملك .
سليمان: ( لو فرضنا إن حكومتكم تنصلت من وعودها ، فماذا عساني افعل بتلك الوريقة التي تحمل توقيع ممثلها؟ وأيّ سلطة أراجع كي أرغم الإمبراطورية البريطانية على تنفيذ أحكام التعهد؟
من يجرؤ ممن لهم صلاحية الحوار مع الكبار على قول كهذا؟
لكنه سليمان فيضي ورجال العراق الأبي ونخب وشعوب هي التي لديها الجرأة لسبب واحد فقط: أنها صادقة . تركنا سليمان فيضي نضحك بسخرية بعد أن أثار لورانس فقال كذبته الكبيرة التي هي جزء من ثقافة حكومته .
لورانس: ( إنك سيء الظن في شرف الحكومة البريطانية وفي صدق عهودها ..
ثق إن حكومتي إذا قطعت على نفسها عهدا وفت به .. ثم لا تنسى أن العمل الذي عهدت به إليك هو لمنفعتكم ليس إلا ... ) .
أين شرف الحكومة البريطانية من تهجير وتشريد الفلسطينيين من ديارهم أيام الانتداب البريطاني؟ كانت فلسطين عهدة وأمانة لدى بريطانيا فسلمتها رويدا رويد لإسرائيل ، فأين هو الشرف؟ لذلك يضحك ويسخر حتى أطفالنا .
أين الشرف وهي ـ أي بريطانيا ـ تسعى مع أمريكا في مجلس الأمن إلى تعطيل جهود إيقاف الحرب الإسرائيلية الظالمة ، والتي لم يعرف لها التاريخ مثيلا ، على لبنان؟
أين الشرف والقنابل الذكية ترد من القواعد الأمريكية على مطار هيثرو لتقتل آلاف اللبنانيين من النساء والأطفال؟
نعم أعرف عدوك ، ثم داره إما لصداقة تؤمنك أو فرصة تمكنك .

فرق تسد

جئت لألقي نارا على الأرض أتظنون أنّي جئت لألقي سلاما
جغرافيا واجتماعيا وسياسيا ومذهبا وطائفيا سعوا إلى التفريق بين اللحمة الواحدة ، فزرعوا ألغاما موقوتة يفجرونها أنى شاءوا ، بينما تاريخ أمتنا المجيدة يحكي عن تآخي ساد بين أطياف ومكونات الشعوب .
احلم تسد .
وليس فرّق تسد ، فالدم حرام والإنسان مكرم عند من يعدل
ويحلم ، ومستباح عند من يرمي القنابل بالأطنان فوق رؤوس
الأبريا من بني آدم .
استغلال المسألة الكردية
استثمرت بريطانيا لصالح مآربها ومخططاتها في عموم الشرق الأوسط القضية الكردية ، وفي العراق بصورة خاصة ، وتعمل جاهدة لاستغلال هذه القضية إلى جانب زرع بذور الفتن الطائفية في وفاق تام مع القوى الاستعمارية الأخرى والقوى الصهيونية .
[ الأكراد شعب جبلي قديم استوطن أساسا بعض المناطق من إيران وتركيا ، ويذكر عدد من المؤرخين أنهم أحفاد الميديين ، وهم اليوم يبلغون حوالي: 15 ـ 16 مليون نسمة ، يتوزعون بين تركيا وإيران والعراق وإلى حد ما سوريا . [ القضية الكردية في العشرينات ] . د . عزيز الحاج
ليس هناك اتفاق عام حول أصل الأكراد وهويتهم ومناطقهم ، وقد بدأ الإهتمام ـ فقط ـ بأصلهم وموطنهم وخصائصهم منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، وذلك الاهتمام جاء عبر خلفيات سياسية فرضتها المنافسة على مناطق النفوذ واقتسام العالم .
[ لم يتفق العلماء والباحثون على تحديد أصل الأكراد ، فجاء التباين:
يعتقد العالم الروسي مارّ أن الأكراد هم السكان الأصليون لجبال آسيا الصغرى ، وهم في ذلك مثل الأرمن والجورجيين والخالديين . ويربط مارّ أصل الأكراد بقوم ورد ذكرهم كثيرا في الكتابات القديمة تحت اسم: كروخ .
وللعالم الروسي الآخر: [ مينورسكي ] نظرية طرحها عام 1938 ، وهو يرى أن الأمة الكردية تنحدر من أسلاف من بيتها قبيلتان أبناءهم ، هما: Les Mardes – Les Kyrtu ، وقد هاجروا بعد سقوط نينوى علم 612 ق. م .
يرى العالمان: محمد علي علي عوني وحسين حسني أن الأكراد شعب من أصل هندو – أوروبي ].
إذن فالإهتمام بالمسألة الكردية جاء على خلفيات سياسية ، وما نشاهده اليوم من غزو إنجلو - أميريكي على العراق هو خير دليل على أن القوى الإستعمارية تناور وتلعب بالورقة الكردية .
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 10-18-2009 الساعة 09:02 PM
  رد مع اقتباس