عرض مشاركة واحدة
قديم 06-02-2013, 05:57 PM   #112
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


نحن القتلة وأنتم المذنبون!

الأحد 02 يونيو 2013 01:00 مساءً

((عدن الغد)) متابعات

في الوقت الذي ظلت فيه «العروبة» منهجا ثقافيا وسياسيا، ولم تتخط فيه هذا المنهج، وبقيت في إطاره اللغوي والدعائي، كان لما يسمى «الانعزال» – اللقب الذي يطلقه العروبيون والقوميون على كل تيار سياسي غير وحدوي! – قوة على الأرض وفاعلية في تطبيقاته. وبينما انحصرت العروبة في التبشير، كان «الانعزاليون» عمليين، تقودهم قوة الإيمان بالخصوصية الاجتماعية والثقافية.

الصراع بين «الانعزال» والعروبية، قاطع وجذري.. فالأول محدد وواضح وواقعي. بينما الثانية غامضة وتبشيرية.

اضطرت العروبيات السياسية إلى استخدام السلطة في الدفاع عن منهجها. وكانت السلطة هي الرافعة التاريخية للتبشير العروبي. ولأن العروبيات نشأت في أرض متحركة بالقوميات واللغات والمذهبيات، اعتمدت في معالجاتها السريعة على مبدأ عدم الاعتراف بالتنوع واعتبار الإشارة إليه ذات منشأ استعماري، كلما جاء حديث عن غير العرب أو غير المسلمين أو بين المسلمين أنفسهم. عدم الاحترام لهذا الاختلاف، وضع العروبة في مواجهة المجتمع الذي ولدت فيه، وما إن خسرت رافعتها التاريخية، السلطة، كما حصل بادئ ذي بدء في العراق ثم في سوريا، حتى اختفت العروبيات، ثقافة ومنهجا ومريدين.. ذلك أن السلطة لا تستطيع فرض شرعية لأي منهج ثقافي.

تتحمل العروبيات قسطا وافرا من مسؤولية تفكك مجتمعاتها الآن. وبصدق، لو كانت العروبة السياسية منفتحة فعلا كما ادعت طيلة خمسين عاما وأكثر، لما كان سقوط مجتمعاتها بهذا الدوي وتلك السرعة التي فاقت التوقعات. العروبيات كانت المحرض الأصلي على عدم الاعتراف بالتنوع، وهي التي قفزت فوق الحقائق الاجتماعية والسياسية، بكل توهم ونزعة تبشيرية لم تكن مخلصة إلا لنشاطها اللغوي الذي أتقنته سلطاتها المتعاقبة. لقد قاوم لبنان الصغير، الناصرية والبعثية بل حتى اليساريين والقوميين، ببساطة استطاعت الخصوصية اللبنانية أن تغلب يد عبد الناصر، هذا على الرغم من التفافه على لبنان الجغرافيا والسياسة عبر الوحدة مع سوريا. فكيف يمكن فهم قوة السياسة اللبنانية، على الأقل وقتذاك، في مواجهة الأسطول الناصري – البعثي – القومي – الاشتراكي؟ كل هذه المسميات كانت قشرا على الأرض وانتصرت الخصوصية: «الانعزال»!

في «الانعزال» صدق قاس مرير. إلا أن كل التبشيريات الوحدوية، ومنها العروبة، محرومة من هذا الصدق القاسي، وبقيت وهمية محرضة على الآخر، ضعيفة في فهم الواقع والتنبؤ بالمستقبل.

لأن السلطة كانت في يدها كانت الحكمة عند غيرها!

في الحقيقة، أسيء إلى الكثيرين بسبب التبشير العروبي، ولم يتم فهم الواقع الاجتماعي على الأرض، والذي لا تموت قواه المحركة مهما بلغت فداحة السلطات المستخدمة لمحوه. دائما ينتصر الجزئي والواضح، ويخسر الشامل والغامض!

العالم العربي الآن يدفع هذه الفاتورة الرهيبة. التبشير الوحدوي لم يسقط وحده، بل تمسك كالغريق في رقبة منقذه، فغرقا معا، بينما كان الأول يستغيث، كان الثاني ينقذ. والمحصلة أرض خراب لن يقبل تي إس إليوت أن يعبرها هؤلاء ولا أن تكون هي الأرض الملهمة لأعظم آثار الشعر في العالم.

نقول: العروبة. العروبيون. لأن أشباحهم ترفرف الآن فوق كل أرض خراب أو تتخرب في العالم العربي. سلطتهم كانت حجابا عليهم ووبالا على الأرض وانسدادا في أفق الناس. كل ما ينهار الآن سقط بدفعة من هذا التبشير، دفعة في الخفاء، دفعة بليل. أما أدبيات هذا المنهج المفرط في اللغة والشحيح بنظام التفكير، فلم تقو الآن على رد أبسط تهمة. هم يعرفون حجم أخطائهم، يتحسسون الكارثة التي أسسوها كما أسسوا السدود والطرقات السريعة. لذلك آثروا الهرب والانسحاب، بليل، كما حكموا بليل. وآخر كوارثهم أن الناس تدفن قتلاها وتذرف الدموع، بينما هم انسحبوا إلى ظلال جاءوا منها، يتفرجون على سقوط المدن ويكتبون مذكراتهم التي لن يتجرأوا، يوما، على تسميتها بالخط العريض: نحن القتلة وأنتم المذنبون!

عن/المجلة

جميع الحقوق محفوظة عدن الغد © {year}
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح