عرض مشاركة واحدة
قديم 10-21-2013, 08:23 PM   #32
مبارك بوشندل
شاعر السقيفة
 
الصورة الرمزية مبارك بوشندل

افتراضي

الوقفة السابعة عشرة:
ابن زيدون:

أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي، أبو الوليد المعروف بـابن زيدون (394هـ/1003م
شاعر أندلسي، برع في الشعر كما برع في فنون النثر، حتى صار من أبرز شعراء الأندلس المبدعين، كما تميزت كتاباته النثرية بالجودة والبلاغة، وتعد رسائله من عيون الأدب العربي.
كان وزيرا، وكاتبا، وشاعر من أهل قرطبة.
يذكر الشاعر العراقي فالح الحجية في كتابه الموجز في الشعر العربي:
( أحب ابن زيدون الشاعرة والأديبة ولادة ابنة الخليفة المستكفي التي كانت تعقد الندوات والمجالس الأدبية والشعرية في بيتها وبادلته حبا بحب وقد انشد في حبها الشعر الكثير شعرا فياضا عاطفة وحنانا وشوقا ولوعة وولها الأمر الذي جعلنا نتغنى في شعره إلى وقتنا هذا وسيبقى للأجيال بعدنا حبا صادقا )

اخترنا من قصائده الشهيرة الأبيات التالية من قصيدته ( أضحى التنائي ):
أضحى التنائي بديلاً من َتدانينــا
ونابَ عن طيبِ لُقيانا تجافيــــــــنا

بنْتُمْ وبنّا فما ابتلّتْ جوانحُــــــــنا
شوقاً إليكمْ ولا جفّتْ مآقينــــــــا

تكادُ حينَ تُناجيكمْ ضمــــــــائرُنا
يَقْضي علينا الأسى لولا تأسّيـنا

حالتْ لفقدِكمُ أيامُنا فغــــــــــــدتْ
سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينـــــا

إذْ جانبُ العيشِ طلْقٌ من تألّفنـا
ومربعُ اللّهوِ صافٍ منْ تصافينا

ليُسقَ عهدُكم عهدُ السرورِ فما
كنتــــمْ لأرواحِــــــنا إلاّ رياحينا

واللهِ ما طلبت أرواحُنا بـــــــدلاً

منكمْ ولا انصرفتْ عنكمْ أمانينا

الشاعر في هذه الأبيات، يذوب آسى وألما على فراق ولادة بنت المستكفي ، ويحترق شوقا إليها وإلى الأوقات الصافية التي أتيحت له معها. وفي ظلال هذه العاطفة المتأججة الملتهبة يقول شعره نابضا بالحياة مترجما عن الحب كاشفا عن الشوق.مختصر الفكرة:وصف لحال الحاضر ووصف الماضي ويتخلل هذا القسم أبيات الوفاء والحب والتجلد على الواقع الأليم.

البيت الأول: أضحى التنائي بديلاً من َتدانينا ونابَ عن طيبِ لُقيانا تجافينا

يستهل الشاعر قصيدته بالتوجع والتحسر على ما صار إليه حاله فقد تغير من قرب بينه وبين محبوبته إلى بعد ونأي يتزايد مع الأيام. لقد تحول القرب بعدا وصار اللقاء جفاء وهو
أمر يشقيه ويعذبه.نجد الشاعر أنه استخدم ألفاظا جزلة في التعبير عن مدى وطول البعد وقوة الشوق حيث استخدم ألفاظ ذات حروف ممدودة يمتد فيها النفس ليعبر عن ألمه ونجد ذلك في جميع ألفاظ البيت الأول.
فهو يقول إن التباعد المؤلم بينه وبين محبوبه أضحى هو السائد بعد القرب الذي كان وحل مكان اللقاء والوصل الجفاء والهجر.

البيت الثاني: بنْتُمْ وبنّا فما ابتلّتْ جوانحُنا شوقاً إليكمْ ولا جفّتْ مآقينا

يتحدث الشاعر عما يكنه من وفاء لولادة ويبثها ألآمه ولوعته فيقول:
ابتعدتم عنا وابتعدنا عنكم ونتيجة هذا البعد فقد جفت ضلوعنا وما تحوى من قلب وغيره واحترقت قلوبنا بنار البعد في الوقت الذي ظلت فيه (مآقينا: جمع مؤق وهو مجرى العين من الدمع) عيوننا مبتلة بالدمع من تواصل البكاء لأنه مشتاق محروم فلا أقل من أن يخفف همه بالبكاء ويسلي نفسه بالدموع.


البيت الثالث: تكادُ حينَ تُناجيكمْ ضمائرُنا يَقْضي علينا الأسى لولا تأسّينا

ويستمر الشاعر في وصف الصورة الحزينة القاتمة فيقول: يكاد الشوق إليكم يودي بحياتنا لولا التصبر والأمل والتسلي في اللقاء( حينما تعود به الذكرى على الأيام الخوالي فيتصور الجمال والفتنة والحب والبهجة والأمل ويعزي روحه عن المحنة بالصبر.

البيت الرابع:حالتْ لفقدِكمُ أيامُنا فغدتْ سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا

لقد تبدلت الحياة وأظلمت الدنيا الأيام المشرقة الباسمة المضيئة جللها السواد وعمها الظلام ببعد ولادة وقد كانت الليالي المظلمة الطويلة مضيئة قصيرة بقربها.
البيت الخامس: إذْ جانبُ العيشِ طلْقٌ من تألّفنا ومربعُ اللّهوِ صافٍ منْ تصافينا

وفي هذا البيت يصف الشاعر ويتذكر أيامه مع محبوبته حيث كانت الحياة صافية متفتحة وحيث كانا يجنيان ثمار الحب ما يشاءان ومتى يشاءان فهو يقول أن عيشنا الماضي كان طلق ( مشرق) من شدة الألفة بيننا وقوة الترابط حيث اللهو والسمر والتخلي فيما بينهم وبين أنفسهم لا يعكره حزن ولا هم ولا شقاق ولا خلاف ولهذا فهو صاف مثل المورد العذب الجميل من شدة تصافينا وخلو المودة مما يكدرها.
البيت السادس: ليُسقَ عهدُكم عهدُ السرورِ فما كنتمْ لأرواحِنا إلاّ ريحانا

ويطوف بالشاعر طائف الذكرى الحلوة فيدعو لعهد الوفاء بينهما بالحياة والتجدد لأنه عاش فيه وصفت روحه به وتلقى من محبوبته مشاعل الأمل وحياة النفس وهو دعاء يكشف عن الحنين إلى العهد الماضي وجمال الذكرى / وإذا كان الفراق يغير المحبين ويجعلهم ينسون حبات قلوبهم فلن يستطيع أن ينسى الشاعر هواه بل يزيده البعد وفاء وإخلاصا فما زالت أمانيه متعلقة بولادة وهواه مقصورا عليها فقد كانت الرياحين لروحه وما زالت كذلك.
البيت السابع: واللهِ ما طلبت أرواحُنا بدلاً منكمْ ولا انصرفتْ عنكمْ أمانينا
يقسم بالله بأن قلبه لن يتعلق بغيرها ولم تتحول أمانيه عن حبها.
  رد مع اقتباس