الشعراء العرب والإقتباس من القرآن والأحاديث النبوية

[مسرور]

نهج شعراء صدر الإسلام والعصر الأموي نهج استيحاء القرآن والحديث النبوي وحاولوا تقليد أسلوبيهما ، فقد كان القرآن يمثل الذروة العليا في البلاغة العربية ويليه الحديث النبوي في ذلك ، واقتباس الشعراء منهما إنما يعني محاولة التقرب من تلك الذروة العالية وكلما ازداد الشاعر في اقتباسه كان أقرب إلى تلك الذروة ، وليس المقصود بالاقتباس من القرآن تقليده في طريقة معالجته لموضوعاته ، فالغرض الديني الواضح والأصيل في القرآن هو الذي يحكم موضوعاته وتوجيهاته وتعبيراته ولكنه مع وفائه بالغرض الديني كاملا يحمل خصائص فنية تصل الى حد الإبداع والإعجاز وذلك الى جانب المفاهيم التي يعرضها عن الكون والحياة والإنسان .

يمكن تقسيم ذلك الاقتباس الى أربعة أنواع هي :

النوع الأول : اقتباس الآيات القرآنية مع تحوير بسيط أو كبير في تركيب الجمل وترتيبها محافظة على الوزن وانسجاما مع القافية ومن ذلك قول حسان بن ثابت متحدثا عن الشيطان :

ولاّهم بغرور ثم أسلمهم = إن الخبيث لمن والاه غرار
وقال اني لكم جار فأوردهم = شر الموارد فيه الخزي والعار

اقتبس ذلك من قوله تعالى : ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال اني برئ منكم )
وقال عمّار بن ياسر :

انهم عند ربهم في جنان =يشربون الرحيق والسلبيلا
من شراب الأبرار خالطه ال= مسك وكأسا مزاجها زنجبيلا

اقتبس ذلك من قوله تعالى : ( ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا )

وقال النعمان بن بشير :

وأخرج ذرياتكم من ظهوركم = جميعا لكيما تستقيموا وأشهدا
عليكم وناداكم ألست بربكم ؟= فقلتم بلى عهد علينا مؤكدا
لكيلا يقولوا إنما ظل قبلنا = القرون نصارى هم ومن قد تهودا

اقتبسها من قوله تعالى : ( واذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون )

وقال جرير :

لما أضلهم الشيطان قال لهم = أخلفتكم عند الله أمر ميعادي

اقتبس هذا المعنى من قوله تعالى : ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم )
يتبع
===============



المرجع : الإسلام والشعر
للدكتور سامي مكي العاني

[مسرور]

.
النوع الثاني من الاقتباس :

أن يكتفي الشاعر باقتباس إشارة توحي للقارئ اللبيب بآية أو أكثر من آيات القرآن الكريم ومن ذلك إشارة كعب بن مالك في قوله :

أمر الإله بربطها لعدوه = في الحرب إن الله خير موفق
لتكون غيظا للعدو وحيطا= للدار إن دلفت خيول النزق

يشير الى قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )

وقول جرير :

اني لآمل منك خيرا عاجلا = والنفس مولعة بحب العاجل
والله أنزل في الكتاب فريضة = لابن السبيل وللفقير العائل

يشير الشاعر في البيت الثاني الى قوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله )


النوع الثالث : أن يقتبس الشاعر الآية نفسها ويضمنها شعره بلا تغيير أو تبديل وهو قليل لان الالتزام به صعب وقد لا يستقيم تطبيقه مع وزن الشعر أو قافيته ومن ذلك قول الحصين بن الحمام المري :

أعوذ بربي من المخزيات = يوم ترى النفس أعمالها
وخف الموازين بالكافرين = وزلزلت الأرض زلزالها

اقتبس الشطر الأخير من البيت الثاني من قوله تعالى : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها )


ومن هذا الاقتباس قول حمزة بن عبد المطلب في صفات الشيطان :

وقال لهم إذ عاين الأمر واضحا = برئت إليكم ما بي اليوم من صبر
فإنني أرى ما لا ترون وإنني= أخاف عقاب الله والله ذو قسر

اقتبس صدر البيت الأول من نص الآية في قوله تعالى : ( وقال اني برئ منكم اني أرى ما لا ترون )

يتبع …………….

[مسرور]

.
النوع الرابع : الاقتباس من الحديث النبوي ،، فكما اقتبس الشعراء من القرآن فقد تواردوا على الحديث النبوي يقتبسون من بلاغته الرائعة ، ويعبون من أسلوبه المشرق ، فقد وهب الله النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جوامع الكلم كما قال ( بعثت بجوامع الكلم ) ومنه فصاحة المنطق حيث قال : أنا أفصح من نطق بالضاد .

وتلون اقتباس الشعراء من الحديث فكان على أنواع هي :

النوع الأول :أن يقتبس الشعراء نص الحديث ولكنهم يغيرون في بعض ألفاظه أو تراكيبه ، ومحافظة على وزن الشعر أو قافيته ومن ذلك قول الشاعر التميمي في حرب الردة يمدح قيس ابن عاصم التميمي :

وقال النبي له إذ أتى = هو اليوم سيد أهل الوبر

اقتبس ذلك من قول الرسول عن قيس ( هذا سيد أهل الوبر )

ومن الشعراء الذين اقتبسوا من الحديث وتصرفوا في تركيبه بما يوافق الوزن والقافية الشاعر الأموي هدبة بن الخشرم حيث يقول :

وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا =فانك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا= فانك لا تدري متى أنت راجع

أخذ ذلك من قول الرسول : ( أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ) .

النوع الثاني : أن يختصر الشاعر كلمات الحديث بألفاظ قليلة تناسب طبيعة الشعر ولا تخل بالمعنى أو يرمز الى حديث بإشارة سريعة ومن ذلك قول أحد أبناء سعد بن معاذ الأنصاري :

وما أهتز عرش الله من موت هالك = سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو

يشير بذلك الى قول الرسول : ( اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ) ومنه قول حسان بن ثابت :

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا = بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

اقتبس ذلك من قول الرسول : ( إن الله جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة )


النوع الثالث : من اقتباس الحديث هو اقتباس النص الحرفي للحديث وهذا اللون قليل وصعب كما كان في اقتباس القرآن قليلا وصعب التحقيق ولم يوجد له مثالا في العصر الإسلامي أو العصر الأموي إلا أنه شاع في العصور التالية كقول صالح بن عبد القدوس من العصر العباسي :

احفظ لسانك أن تقول فتبتلى = إن البلاء موكل بالمنطق

أخذ ذلك من نص الحديث ( البلاء موكل بالمنطق ) ومنه قول الإمام الشافعي :

عفوا تعف نساؤكم في المحرم = وتجنبوا ما لا يليق بمسلم

اقتبسه من نص الحديث ( عفوا تعف نساؤكم )

نكتفي بهذا المختصر ونرجو أن تعم الفائدة بعد الاطلاع .

تحياتي.

[جمال العطاس]

من أجمل الأشعار التي قيلت إقتباساً من القرآن الكريم هذه الأبيات التي لم تثبت صحة نسبتها لشاعر معيّن !!

توكّل على الرحمن في الأمر كله = ولاترغبنْ في العجز يوماً عن الطلب
ألم ترْ أن الله قال لمريم = وهزّي إليك الجذع يسّاقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزة = جنته ولكن كل رزق له سبب

البيت الأول : مأخوذ من قوله تعالى : ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) .
ومن قوله تعالى : ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) .
البيت الثاني : مأخوذ من قوله تعالى : ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ) .
البيت الثالث : مأخوذ من قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .

[أبو سفيان الباني]

جزاك الله خير على هذا الموضوع القيم

[بلّسود]

شكرا جزيلا احبتي ... مسرور . واستاذي . جمال العطاس ...
..... الان في هذه الايام نجد ان الاقتباس يتطور .. ليشمل حتي اخذ آيه كلها .. ووضعها في البيت الشعري .. مثل قول ... احمد مطر .. في مطلع قصيدته المشهورة ( قلة ادب )
قال :
تبت يدا ابي لهب وتب ..

===========================================

شكرا جزيلا اخي مسرور على ذلك الطرح المميز للموضوع .. ودمت لنا مبدعا ودام نقلك الرائع ...

============================================

والى اللقاء ...
اخوك : بلسود ...