الدان الحضرمي
مـــاهو الدان ؟؟
الدان الحضرمي هو نغمات موسيقية وإيقاعات فنيه مطربة تطرب الروح وتبعث على الشجن وهو اكثر انتشارا في حضرموت لأنه يعبر بصدق عن احساس الناس وامانيهم وتطلعاتهم وهمومهم وآلامهم وشعورهم العاطفي
وتنطلق مع توقيعات الحانه وتقاسيمها الغنائية المنسابة الكلمات الرقيقة العذبة والمعبرة فالدان نغم ولحن له صفة قديمة لدى كل فئات طبقات المجتمع الحضرمي وهو نوع من الشعر المغنى بالفاظ وأوزان غير مقيده بما يقوله النحاه ولقد سموه في الاندلس بالموشحات وسماه الحضارم الدان
وفي اللغة يأتي معنى الدندنة بهيمنة الكلام ودندن فلان نغم لا يفهم منه كلام فإن لفظه ما يدل عليه الدان يمكن ان يكون الى الهمهمه والتنغيم وليست الى الشعر وبهذا يكون الدان هو الأصل وليس الشعر اصل الدان وتجمع المعاجم على ان الدندنه هي نغم فلفظة دان بحروفها الثلاثه تدل على نمط معين من الالحان يسبق الهمهمه والتي هي في الأساس التحضير للنغم وتحديد اللحن فيما بعد فحين ينطق المغني الثلاثة الحروف ..د..ا..ن...(دان) فهذه الحروف الثلاثه هي مقدمة استطلاعية وتحضيرية لإستكمال بنية اللحن ليأخذ دورته الكامل في مصهر الألحان ويتشكل منها بروز اللحن الجديد له خصائص موسيقية ثم ينطلق الشعر مربوطا بألحان الدان
ويقال لذلك اللحن في حضرموت فن الدان اوصوت الدان
وقد جاءت لفظة الدان في كثير من اشعار الشعراء الشعبيين في حضرموت منهم الفقيه الشيخ عمر بن عبدالله بامخرمة المتوفي سنة تسعمائه واثنان وخمسون هجريـه الذي يقول مستبديا بالدان
دان يامطربه فإني على دانش اطرب
روقي فيه خلينا من الصافي اشرب
فاني لي في الغناء مذهب وللناس مذهب
ويقول
يامطربه دندني بالدان يامطربه
غني بصوتش وشلي ابياتي المعربه
وغيرها من اشعار يامخرمة الحافلة بذكر الاستهلال بالدان
والدان الحضرمي أول ما يبدأ بالهمهة والنغم ثم تأليف ووضع اللحن وترابط أجزاؤه بتفعيلة ( دان ) ومن هذه الثلاثة الأحرف والتي قد تختصر في النغمة أوتتطول أو تمد فإنها تبقى التفعيلة الجذرية لأصل نغمات وألحان الدان ..
ويجب ان نعرف ان الدان الحضرمي نغم ولحن له أصوله وجذوره وتفعيليته التي بقيت في محيط اساسه الأول منطلقا من الدندنة والهمهمة في تأليف اللحن ثم تأتي دور الكلمة الشعرية التي يقولها الشاعر ثم يأتي دور الغناء بعد تحديد اللحن
وهو فن قديم اصيل لم تدخل في إدائه اية آلة موسيقية مما يعطي الدليل الواضح على قدمه وأصالته وإن كانت بعض الحانه في الأربعين سنة الأخيرة طوعت للأدائه بالآلات الموسيقية ولكن هذا التطويع جاء بعد بروز اللحن لفن متعارف عليه اصلا هو(الدان)
وتؤلف اجزاء نغمات الدان ويقال لها تلحين أوصــوت ويأتي كله ضمن اطار الكلمات الشعرية المقيدة بهذا الإطار ويبدأ (بالفصل ) كما يقال له والفصل هوربط الكلمات الشعرية ببعضها البعض في اطار يحدد الوقوف عند كل مقطع بالقافية والوزن . والفصل مأخوذمن الحاجز بين الشيئين وهو يفصل بين القولين في نظم الشعر
وفي الدان بعد احكام النغم واللحن يأتي دور الشاعر ليقول فيبدأ بالفصل ويبدأ الفصل كقول الشاعر خميس سالم الكندي
ذا فصل والثاني سمر ياسعيد ذكر كل عاشق
الدان يومه حرفة العشاق
الدان خطتهم ومنبتهم وله زاعق وناعق
يتذكر النغمات كل عاشق ومعشوق
أوكما يقول الشاعر عايض بلوعل
ذا خرج فصل والثاني إذا جات زله
من ضنينك رمى قلبك بها وانت غافل
لا تعامله بالزلات خـله
غض واصفح ****** وقله ياضنيني كفانا حسبك الله
وقول الشاعر ناصر بن يسلم بن ناصر
ذا فصل والثاني سمر ياعاشقين الدان
ياسامعين الصوت جمع الاهل والاخوان
ياضيق حالي باتنسم ****** ذي تحياتي لكم ياللي تسمرون
وقول الشاعر مستور حمادي
ذا خرج فصل والثاني تشوقنا الخضيره
لي خضرت قلبي الميت بها خضر
قتلتنا خذت عمري بالحيا ياغصن ضيره
سبحان ربك اخلقك وانشاك من طين
وقول الشاعر سالم العيدروس
ذا فصل ياالعشاق
خوضوا بحور العشق ياكل عاشق
ما ضاع في العشقه لكم با تلحقونه
هاكم مقاله علم كل مطرود ملحوق
المعروف عن الدان الحضرمي خروجه عن دائرة أبحر الشعر الـ 16 بحرا وخروجه ايضا عن نطاق أبحر الشعر الحميني والتي تقابل ما يماثلها في الشعر العربي والدان مع خروجه عن نطاق الشعر الحميني غير انه يسير في دربه من حيث التسكين وعدم الإعراب
وهناك تقارب بين الموشحات الأندلسية والدان الحضرمي من حيث ان الموشحات كما أوضح ذلك المؤرخ ابن خلدون بانهم ينظموها أسماطا واغصانا واعاريض وإلتزاما بالوقوف عند تلك
الأغصان
وفي فن الدان الحضرمي ينظمونه اسماطا وأغصانا واعاريض والتزاما عند القوافي بل يبلغ الإلتزام فيه بلزوم ما لا يلزم في الشعر
وكذلك فان الموشحات خرجت عن نطاق قيد ابحر الشعر وعن دائرة النحاة والإرتباط اللفظي . كما إن الدان خرج ايضا عن قيد ابحر الشعر وعن دائرة النحاة
وينسب البعض من المؤرخين الموشحات الى انها فن اهل اليمن وانها هاجرت الى الأندلس مع اليمنيين ثم عادت الى اليمن في القرن السادس الهجري واشتهر في ميدانه محمد بن احمد فليته عام721هـ وله ديوان شعر بمكتبة صنعاء والمزاح بن عبدالله المزاح وغيرهم وفي القرن العاشر برز الشاعر محمد بن عبدالله بن شرف .
وإذا كان اصل الموشحات من اليمن فإن اصل الدان بحضرموت وهو قديم وقد يكون معروف قبل القرن الثالث الهجري وفن الموشحات وفن الدان الحضرمي مترابطان ترابطا جذريا فالتفعيلة في الفنين والمنهجين ضرورية الوجود والترابط والإلتزام موجود والخروج عن قيود النحاة موجود والخروج عن ابحر الشعر ايضا موجود
يقول ابن حماد الأندلسي
بدر تم*** شمس ضحا *** غصن نــقــا *** مسك شم
ما أتم*** ما أوضــحــا *** مــا أورقــا *** مــا أتــم
لا جرم *** من لمــحـا *** قــد عشــقا *** قـد جرم
ويقول الأعمى الطليطلي
ضـاحك عن جمان *** ســافر عن درر
ضاق عنه الزمان *** وحواه صـــــدري
وقد نهج الشعراء في حضرموت نهج الموشحات الأندلسية ويقول ابوبكر بن عبدالله بن شهاب
يامعسجد الخــدود *** باهي الجمال
مهفف القد ***املد اللدن*** بالإعتدال
قد جاوز الحد*** بحسنه الحسن *** وبالكمال
فتان أغيد*** بحسنه فتن *** وبه تكالي
عذب اللما الحال*** حبه حلالي*** بلبل هو بالي
فصار بالي ***وضاق منه حالي*** فما إحتيالي
ويقول الشاعر عبالصمد باكثير في القرن العاشر
الهجري
يافائق الملاح *** ياخشف يارداح *** يامائس القد الرشيق
عشقي ظهر وباح *** وليس من جناح *** قلبي حمل مالا يطيق
خمر الهوى مباح *** يسكر بغير راح *** فسل همك بالرحيق
وكانت هذه الكلمات وغيرها للشاعر عبدالصمد باكثير تغنى في حضرموت في القرن العاشر
الهجري
ولنا مدخل في هذا البحث عن الدان الحضرمي في القرن العاشر الهجري
تطرقنا سابقاالإرتباط بين الموشحات والدان الحضرمي ومن المؤكد ان غياب التدوين للتاريخ في حضرموت اوجد حلقات مفقوده امام اي مؤرخ أو باحث لتاريخ حضرموت وفنونها ولكن اقدم النصوص التي في إيدينا تعود الى القرن العاشر الهجري وهي قصائد للشاعر عمر بن عبدالله بامخرمه المتوفي في سيئون سنة 952هـ وقصائد الشيخ عبدالصمد باكثير المتوفي سنة 1025هـ ولا نعلم عن تلك التلاحين التي كانت تغنى في تلك العصور وقد تكون مختلفة على ماهي عليها الآن ولكن القصائد التي دونت في القرن العاشر كانت ذات تتقاطيع ثنائية وارتباطها بتفعيلة الدان يقول
بامخرمه
ياقضيب الذهب
شنف لي الكأس بشرب
لا تخاف العتب
مافي التخلاع معتب
انته سيد العرب
من شب منهم وشيب
في عيونك سبب
تسبي الخواطر وتنهب
وايضا هناك من الافتتاحيات لقصائد بامخرمة تجعل من الدان المدخل اليها
كقوله
دان يامطربه فإني على دانش اطرب
رددي فيه خلينا من الصافي اشرب
*****************
ويقول
دان يامدحجي والفتح ياتي بلامداد
*****************
دان يامطربه فانه مدامي وكأسي
دندني واستديري في جميع المراسي
****************
دان ياسالم ان الدان لي فيه معنى
****************
دان يابازياد انه دنا القلب للدان
دندن الله يدني لك جنا الجنه الدان
***************
يابوعوض حكم المغنا
وشل صوتك وقل يادان
************
ومن هذه المقتطفات من قصائد بامخرمه تتكون لنا صوره واضحه عن الدان ما قبل خمسة قرون إذكان الدان هو الفن اكثر ديوعا وإنتشارا وكفن له عشاقه وموروث متوارث عبر القرون التي خلت قبله غير اننا نجهل ما إذا كانت عليه تلك الألحان في تلك العصور ولن يستطع التطور العلمي في البحوث ان يجزم لنا عن ماهية تلك الألحان ولكن إذا كنا نسمع اليوم الحانا من اغاني الدان مضى عليها أكثر من قرن من الزمان وتردد في اوساط عشاق هذا الفن فلابد ان يكون هذا الإرث الفني ينتقل بين الأجيال عبر تواصلها
ان الغناء اساس الشعر عند العرب ومن اجل ذلك عبروا عند القائه بالإنشاد فقيل فلانا <انشد شعرا > والحداء الذي يحدون لإبلهم كان في ذاته غناء شعبيا
عاما
الحــــان الــــدان
--------------------
ان لنغمات الدان الحضرمي صلة بحياتنا وبواقعنا وملازم في اطوار حياتنا وملتزم معها وبها لأن العاطفة في الانسان هي الاساس في تحريك وانبعاث الشعور وبالدندنه والهمهمه تنبعث فينا سرورا وابتهاجا حزنا او ألما وترديد الدندنة تبعث في اعماق نفوسنا السلوان
موازين الدان
----------------
في اصوات الدان الموازين غير محددة فهي متجددة ومرتبطة واغلب الموازين ملتزمة والشعر نفسه غير محدد في المقاطع لكنه غير محدد في الوزن فقد يحد المقطع بمقطعين لكن ذلك المقطع يكون بأوزان مختلفة لذا فان عامل الوزن ليس له تقيد وان مقاطع الدان تبدأ من مقطعين والى عشرة مقاطع لكنه غير محدود الوزن واغنية الدان واسعة فلذا قد يكون احد المقطعين اكثر من الآخر بتفعيلة لإننا نرى ان الترابط بالمقطع وليس بالتفعيلة والغالب ان المقطع الثاني أو الثالث يكون في آخره تخميس في البيت وإن المقاطع الرباعية وما بعدها بغير تخميس والتخميس ترديد مستمر في كل مقطع فهناك الثنائي كهذا
الصوت
ريت من حب حــد يلقيه راعي
عالكبد ما يفكه ليل ونهــار
التخميس :-
القمر شارقه بين البهاء والسرير سار
من المقاطع الثلاثيه
نازحين الدلي
راثي إلا لمن ينزح ودلوه خلي
والعرب كلهم له راثيين
التخميس :- في بحور الهوى واقف لعشق المضانين
ومن الثلاثي
يومنى غني ونسنس
بالمغاني اليوم هرجس
قد تذكر شلت الدان
التخميس :-
ربنا بايصلح الشان
ويقول الشاعر العيدروس
ليلة النور ياحيا بكم قال سالم
يشهد الله لي بأحوالنا دوب عالم
إننا جيت بارحب بكم دوب فرحان
التخميس :-
بالكرم لا تفارق بين عاشق وحبان
وهذه المقاطع تعد ثلاثيه لكنها غير متحده في الموازين الشعريه ويقول الشاعر حداد بن حسن
الكاف
ولا لي قلب ذاكر
في الدنيا ولا في الفلس فاكر
ولا فكري بشي ماغير فكري في الحسان الحور
ويقول في صوت ثلاثي غير الصوت الأول
العشق بلوى ومن شله حنب وانتشب
كله سوىمايحصل مقصده والطلب
تاجر وانه فليس
ويأتي المقطع الرابع والذي يأتي في نغمات متعددة لا يمكن ان تنحصر فهي بدون حصر في التقسيم الوزني الغنائي في كل انواع الدان مقاطعه وموازينه يقول الشاعر مستور
حمادي
قد لي مقدر عام بن مرزوق رحله
مسهن وصولك للوطن ياطيب اللحون
خليت بقعه غبــّرت لشجار ضنين والبساتين
من بعد ما دبرت حتين الورق و يبسن الأغصان
ويقول الشاعر خميس الكندي
إسعيد مرزوق في كل دار
كل ما طلع مرواح جات أفكار
لا بطلو في جنس في التجنيس جاب الجنس لخرى
دايم وهو شال السفر يمديه يكسب للملايين
والمعروف ان الشاعر سعيد مرزوق كان يعمل في مجال البناء (منور ) والشيد باللهجة الحضرمية هو الصبغ او الطلاء يقول خميس
كندي
وسعيد بن مرزوق غلاّ الشيد شله للفوالق
والشيد قالوا عس في لسواق
كله من الشرغات شي وافق وشي ما با يوافق
والحاصل ان الحركه عند آل مرزوق
ويقول مستور حمادي
سلام يا القرن عاشجارك واحجارك ونخلك
وسلام مني على ايمانك ويسراك
يا ميـّت الروح ماليله طلع من وسط قبرك
واطلب من اهل المجنه زام لا قد نسنس الريح
وننتقل الى المقطع الخماسي والسداسي والسباعي وهو كما ذكرت لكم بدون تحديد وانما التفعيلة والنغمة هي القاسم الاول فقد يكون مقطعا خماسيا ولكنه لعشرة اصوات وبعشرة موازين او اكثر
يقول حداد بن حسن الكاف
ردوه رده برده
مغناك ليله سعيده
من يوم جيته زمان الانس عندي عاد
بك انسنا عاد عيده
والليالي رجعت لنا عيد
ويقول ايضا حداد الكاف
ياغصن ربوك اهلك من زمن محروب
يسقونك الا الطائفي قطره قفى قطره
مولاك متعزز بحثلك داخل الهلاس
وطرحك في قصعة عسل
والله لايلمسك ياذا الغصن شي طين
ويقول سعيد مرزوق
وين الذي صوته يحن وسط المسامع
يتحدث الشاعر اذا حصل مغنى
اذا انثر بيته لقا في القلب طابع
ياهل المطابع
القوا تراتيب للدان
اما المقاطع الخمسة والستة وغيرها بجميع اجزائها وتداخلها وارتباطها تكثر في ( الدان الحضرمي ) ومن المقاطع السته قول الشاعر عبدالله التوي
حطت مخيله من على سيئون
والرعد له حنه
والبرق يشبه مبسم المضنون
لي زان فنه
الله يزيده فائق الغزلان في فنه على لفنون
قد زيده بلجود فوق الفن فنين
والشاعر حداد الكاف ومستور حمادي
يقول حداد
------------
حيا ليالي جميله
مرت بسفح الجبل
مثنات بحر الطويله
القرن وحيوط السحيل
والحوطه المستطيله
فيها علي حبشي وكم فرع اصيل
ويقول مستور حمادي
------------------------
إن جيت باخوذك حيله
مانا من أهل الحيل
ماحد يغالط عميله
إلا المسفل والرذيل
يصبر شروعي طويله
و باتبلغ فيك بالشرع الطويل
ونتواصل معا في قراءة هذه النماذج من مقاطع الدان الحضرمي ومن المقاطع السته قول الشاعر حداد بن حسن الكاف والسري
بالــــغـــواني
قلبي مولع وهايم وفاني
دايم يدير الفــكــر
كم يعاني
في عشق خرعوب سوس مباني
في القلب له دور وحصـــون
ويقول الشاعر عايض بلوعل
رق وارحم
لمن في العشق بالعشق مغرم
حاله شبيه الوتـــر
يالمختم
صاحبك واقع وسط ليل أهيم
متى متى باترقون
وفي تلك المقاطع الستة لكل مقطع منها لحن خاص ووزن خاص وقافية مرتبطه لكل واحد ..وقد يأتي المقطع الى عشرة مقاطع
أنواع الدان
------------
بعد ان أوضحنا نماذج من نغمات الدان وشعره وتنوعه يجب على القاريء ان يعرف ان انواع الدان المشهورة بحضرموت ثلاثة انواع
وهي
الرّيض
الحيقي
الهبيش
الريّض ـ
هو ذوالمقاطع الطويلة وهو الرباعي والخماسي والسداسي ومابعده وسمي
ريضا لهدؤ انغامه وعدم سرعة اندراجها عند الغناء والطرب ويكثر الريض في وادي حضرموت ويبدو ان منبعه المنطقة المعروفة إداريا بمديرية سيئون
،ومنها انتشر الى مناطق حضرموت الأخرى وقد كانت كل النماذج في الحلقات السابقة من الدان الريض
الحيقي ـ والحيق في اللهجة الحضرمية تعني ( السهل ) والحيقي نسبة الى سكان السهل الممتد من حافة هضبة حضرموت حتى الساحل .. والدان الحيقي ذو مقاطع ثنائية وثلاثية ورباعية سريعة الحركة والإندراج ويتعاطاه بدو الحيق في اسمارهم ومن هذا
النوع
لامات مضنوني لقوله من غشاء قلبي كفن
دفنوه في صدري لا لا تدفنونه بالطين
الهبيش ـ الهبيش في اللغة الجمع والكسب وهبش الرجل حلب بالكف كلها وبهش القوم تجمعوا ... وهذه من صفة بادية حضرموت التجمع على رقصة الهبيش ويتجمع الكف بالكف في التصفيق والكتف الى الكتف في رقصة الهبيش ، والهبيش غالبا ما يكون ذو مقاطع ثنائية وهو اسرع حركة من الحيقي ويكثر في بادية حضرموت ومنه
أنا وخلي تراضينا وقسمنا الهويه وخيره
والذي ما تراضوا خلفوهم يشربون العِـيق وسيول سمعون
تحمليت الحوش والثقل واشبيت العقاب الكبيره
لأجل نوفي بعهدي ما بغيت القاصره والعرب بالعهد يوفون
جلسات الدان
-----------------
لجلسات الدان في حضرموت طقوس صارمة ونظام وتقاليد راسخة فهي تكون في اماكن محددة أي خاصة ولا يحضرها إلا عدد محدد من أهل الذوق وعشاق هذا الفن ويؤخذ المغني جلسته في صدر المجلس بغض النظر عن مكانته الطبقية في المجتمع ويجلس في وضع الحبوة
(محتبي ) ويبدأ بالتحضير للغناء بالدندنة ومع تنوع نغمات الدندنة يبدأ في رفع وتيرة صوته تدريجيا كلما أستحسن صوته و يبدأ التفاعل ويضع كفيه خلف اذنيه لترجيع صدى صوت الدندنة ليضخم سماعها فيها ..
ثم يغني ويقول الشاعر البيت ويأتي دور الملقن وغالبا مايكون من هو من بين الحضور سريع الحفظ وتلقف ما يقوله الشاعر وتلقينه المغني ويأتي الشاعر الآخر لينشد بيتا و هكذا ولا يمكن ان يقول الشاعر بيتا إلا بعد غناء بيت من كان قبله واساس الدان المغني والشعراء والملقن وقد يكون من بين الحضور كاتبا يكتب ما قالته الشعراء ولا يسمح لأحد بالكلام عند الغناء والشعر بل يسود الهدؤ والسكينه والإنصات ويشد الإنفعال الوجداني الحضور حتى يغرقون وسط بحور الدان ويكسون انفسهم بالهيبة والوقار في جلسة استحضار تهيم فيها ارواحهم فوق سموات حضرموت وبكل شفافية نحو التألق والإبداع مع نعمة التعبير عن أدق خلجات النفس البشرية
قتيل الدان مانبغا التجاره من اتجر
غلّق مامعه والدّان نسّم كل مزرور
نسّم كمْ وكمْ من عيطلي به خشم خنجر
ياحسرتي لا قدناوسط قبري وغيري بايغنون
اننا نستشفي من هذه الكلمات التي قالها الشاعر مستور حمادي حبه الذي لا يحد للدان واهله وعزوفه عن الجاه والثروة ويعبر بأن بعد موته لو قدر الله له ان يتحسر فإن حسرته الوحيده بعد الوفاة بأنه غير قادر على سماع الدان
ومن مساجلات شاعر الدان مستور حمادي عندما كان يطالب بالرجوع الى احدى
زوجاته
ياعظيم الرجاء تنظر لعبدك
سيل ليام كما يوم عيده
وبحق اسمك وكرسيك وعرشك
لاترد يده اليمنى خليه إذادعاك
وذكر المصطفى وكرسيك وعرشك
لي عرج ليلة الإثنين رحله بعيده
والصلاوات وداها بأمرك
يامحمد عسى نسعد ونظفر بلقياك
ياحسين النظر باشوف ودك
لاجل باقول ياحيا النفوس الوديده
ان عشقي وسط قلبي تملك
باقسم العافيه ياخل والموت انا وإياك
سير من غير حس والعقل عندك
فلت الباب لي له وقت ضايع قليده
ورحم المهتيس قدام يهلك
بهتدي بعتكف باشل سبحه ومسواك
عهدمني وعارضنا بعهدك
والمخالف يردونه كبار القعيده
اليمين الغلق مبعاد سدّك
ليتنا ادرى بمن يفتن عليناوغرّاك
يالمسيكين رد طرفك لربك
عابوك العرب من فوق عقبه شديده
بالكرم بايتمم جمع قصدك
يوم قلبك بلى في ولف ذولاوذولاك
عاد ذاموت ياخل جد بوصلك
مثل طرد الفرس لي في الطريقه البعيده
لي بقلبي عساه إلا بقلبك
خلنا تغانمك مادام شحمك في اكلاك
ورد عليه السيد سالم العيدروس قائلا
لاتذكرني الله مساك
انت مثل المسن مبر تموس الحديده
قالوا الناس من حبك يودك
ورضنا ثانيه من ضيمها تفحس إيداك
وهكذا وتحت افياء دوحة نغمات الدان الحضرمي يشدنا الحنين الى مساجلات اقطابه في حضرموت ومع الشاعر مستور حمادي والشاعر سليمان بن عون نشدوا طربا مع هذا اللحن الخالد والكلمات الرائعة التي قيلت ذات امسية وكان فيها القمر يشع بنوره الوضاح على جنبات الوادي الميمون وادي حضرموت وتمايلت لهذا اللحن الحضرمي الجميل نخيله البواسق ورقصت طربا له
قال مستور
يالله اطلبك يالفرد العلي ****** ياكريمان فكاك العسر
يامجلي تجـلي خاطـــري ****** تحت بابك لوادم يطلبون
وألف صلوا عدد ما تندري ****** جمع ليام في برد وحر
عالنبي جدسيدنا علي ****** جملة الأنبياء والمرسلين
قال مستور يصبر من بلي ****** باتصبر وبالقي لي بصر
جيت باحكي بشي ما يحتكي ****** خفت الأمه علي يتنصرون
من معه مخ بايلعب سري ****** ايش بايعذره لاقال سر
مابدا صيت جيّد قد غبي ******يحكمون اللعب لي يلعبون
ورد عليه سليمان بن عون
المحبه لها وادي مري ****** والبواسق مدنّه بالثمر
ياظنيني شفق ياحسرتي ****** خافنا موت وانتم تخلفون
فرد عليه مستور
المحبه تبا واحد جري ****** يعصر الماء ولو ما يعتصر
وإن هوإلاّكمايه يستحي ****** بايتمي يفرقز بالعيون
فرد عليه سليمان بن عون
فناجين واحد يندري ****** عند برّاد ينفح بالخمر
والمخضب يناول راحتي ****** هكذا لا اجتمعنا باتكون
رد عليه مستور مشيرا الى حالته الماديه
يالذي تنزحون الدلي ****** عاد شي معكم لي بصر
لانزحته طلع دلوي خلي ****** خافواالله ياللي تنزحون
وللأستماع لمقاطع من هذا الفن
الحضرمي العريق اضغط هنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للكاتب المبدع ابي عوض الشبامي ــ سقيفة الشبامي ــ