آن الأوان أن نتحدث عن تلك الأحداث وكشف أسبابها الحقيقية ووقائعها المأساوية بدون تزييف أو تجميل الحقيقة كما قال الكاتب والشاعر المسرحي الإنجليزي شكسبير "يمكن أن تدفن ولكنها لا تموت"، كما دفن القتلة جثمان الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) بطريقة سرية حتى لا يعرف له قبر أو حفرة في الأرض تضم جثمانه الممزق برصاص الغدر. إذ أنهم فعلاً يرمون من عمل كهذا عدم تخليده من قبل الشعب, ناسين ومتناسيين أن التاريخ هو الذي يخلد الرجال الأبطال.

كان سالمين من طراز رجال القدر والتاريخ, وقد علمنا دين الإسلام بأن كل مسلم ينبغي أن يكون له قبر و ينبغي أن يكون معروفاً وهذا حق طبيعي لكل إنسان وحق ديني لكل مسلم وتغافل المجرمون عن ذلك، لأنهم كانوا يخافونه حياً وما زالوا يخافونه ميتاً! سالمين حقيقة تاريخية في واقعنا وفي حياتنا وفي وجداننا وفي قلوب وعقول الملايين من أبناء اليمن من رفاقه وأنصاره الذين كرسوا نضالهم وكفاحهم ضد الباطل والشر وفي سبيل الحق والخير.

بعد قيام الوحدة المباركة في 22 مايو 1992م كتب الأستاذ / سالم الحاج ( مستشار إعلامي للرئيس السابق علي ناصر محمد ) في إحدى الصحف السيارة مطالباً القيادة السياسية برئاسة علي عبد الله صالح رئيس مجلس الرئاسة مطالباً برد الاعتبار للرئيس سالمين ومعرفة أين دفنت جثته ونبش قبره وتشييع جثمانه في موكب جنائزي شعبي يليق بمقامه، ومكانته التاريخية كبطل وطني ضد الاستعمار. وقد وقف نائب الرئيس - علي سالم البيض الأمين العام الثالث للحزب الاشتراكي موقفاً سلبياً إزاء ذلك فاعترض على مسألة رد الاعتبار للرئيس سالمين، ولرفاقه الشهداء الأبرار منهم والأحياء على حد سوا حتى هذه اللحظة وطالما وعلي سالم البيض الذي اعترض على قرار المكتب السياسي أن يذهب الرئيس سالمين كلاجئ سياسي إلى " أثيوبيا " ومعه من يريد من رفاقه. وهو طالب بقتل الرئيس سالمين حتى لا يعود من أثيوبيا بعد نفيه, مؤكداً أنه يعرف سالمين أكثر من غيره، فسيعود بعد حين، ويقضي على الجميع!.. بحسب الرئيس علي ناصر محمد ( لمجلة التضامن ) في حوار أجرته معه الصحفية المعروفة حميدة نعنع
(( إذ أنني أقنعت علي ناصر محمد بعد حوالي عشر سنوات من مقتل الرئيس سالمين بأن يكشف بعض الوقائع عن أحداث 26 يونيو 1978م. وفي حوالي مارس 1987 في أديس أبابا, كنت حاضراً في الحوار الصحفي انف الذكر بحكم عملي كمستشار إعلامي للرئيس السابق علي ناصر محمد أمين عام اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي (الوحدة - القيادة الشرعية). ومما قاله في ذلك الحوار الصحفي الذي نُشر لأول مرة بأن قرار إعدام الرئيس سالمين اتخذه المكتب السياسي وكان حينها برئاسة عبد الفتاح إسماعيل بنــاءً على اقتراح علي سالم البيض - سكرتير اللجنة المركزية حينها. وموافقة جميع أعضاء المكتب السياسي الحاضرين دون تحفظ أو اعتراض على ذلك. سوى تلك النصيحة التي أداها الرائد صالح أبو بكر بن حسينون رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، والذي تولى إدارة غرفة العمليات العسكرية ضد الرئيس سالمين. ولكن نصيحته تلك لم تجد آذانا صاغية فرفضها الجميع رفضاً مطلقاً، ولم يكن بن حسينون عضوا في المكتب السياسي أو اللجنة المركزية، بل حتى لم يكن عضواً عادياً في التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية. وقد حضر اجتماع المكتب السياسي الذي عقد في "توني بس" بجبل معاشيق، بحكم وظيفته العسكرية إلى جانب المقدم الركن علي عنتر وزير الدفاع عضو الجنة المركزية. اعتماداً على رواية علي ناصر محمد الصحفية التي كشف فيها بأن أفراد الحرس الخاص لعبد الفتاح إسماعيل هم الذين نفذوا قرار المكتب السياسي بإعدام الرئيس سالمين، وبأنه عندما جاء قائد الحرس الخاص للأمين العام ليبلغ تنفيذ القرار فسأله عبد الفتاح هل مات سالمين ؟ فرد عليه علي ناصر محمد: يقول لك إنهم أطلقوا عليه مجزين رصاص كاملين في صدره. وقد كان علي ناصر يرمي بحديثه ذلك للإشارة إلى ضعف عبد الفتاح وخوفه من الرئيس سالمين حتى وهو ميت.

في الواقع لا يمكن تصديق رواية علي ناصر محمد، لأنه قالها وهو خارج دفة الحكم وفي الظروف السياسية التي أعقبت أحداث 13 يناير 1986م مع احتمال تصديقها كونه اختلف مع شركاء الأمس الذين أطاحوا به من كرسي الحكم وتآمروا عليه كما تآمر معهم ضد الرئيس سالمين فدارت عليه الدائرة. وبما أن عبد الفتاح إسماعيل قتل بأحداث يناير، فإنه لن يستطيع تأكيد رواية علي ناصر محمد أو نفيها، أما علي سالم البيض الذي غدا بعد أحداث يناير خليفة لعلي ناصر محمد في منصب الأمين العام، أي في موقع الرجل الأول في الحزب والدولة فإنه وهو الذي خلا له الميدان السياسي بعد الإطاحة بعلي ناصر لم يؤكد تلك الرواية الصحفية التي رواها علي ناصر محمد وربما يكون ذلك دليلاً على عدم مصداقية تلك الرواية، ولكن "صمت" علي سالم البيض على ذلك حتى الآن يؤكد صحتها ( فالسكوت، علامة الرضى ) ما لم فإنه يتوجب على البيض أن يرد على ذلك الاتهام وأن يخرج من دائرة صمته، والذي يبدو كأنه تقليداً سياسياً يعتقده الرجل .
وما خفي كان اعظم .