سالم عبد القادر العيدروس
عام 1956م

سالم علي الجرو: ( من كتاب: [ الحكمة المنتقاة في من يعرف معنى: يا لوماه ] للشيخ: عمر الحسن با داهية العمودي

وهذه النشيد للسيد عبد الرحمن بن محمد بن شهاب ، عفى الله عنه:

وهذه القصيدة أنشاها عمر باعطْوهْ في السّيد: سالم بن محسن العطّاس:

يتناقل الكثيرون قصته الغرامية مع فتاة [ تريس ] . قرية كبيرة ذات شأن في التاريخ الحضرمي ، مسقط رأس المؤرّخ: [ ابن حميد ] ، تبعد عن مدينة سيئون نحو ثلاثة كيلومتر في اتّجاه الغرب.
القصّة الغرامية إذا ما قورنت بقصّة: [ قُطنه ] الواقعية وهي فتاة من بادية الشام ، فإنها تدخل في سياق الأساطير ، وهناك من يقسم بالله أنّها وقعية.

• مختصر قصّة غرام ابن زامل:
أحبّ فتاة تريس وتعلّقت به وشاع خبر حبّهما لبعض ، فما كان من بعض الوشاة المتفننين في حبك
المكائد إلا أن أوغروا صدر ابن زامل بحملة أكاذيب وافتراءات ، فصوّروا له حبيبته وكأنها من بقايا قوم موسى لا تصبر على طعامٍ واحد. هجرها وقرر التخلّي عنها وهي باكية متذللة له ، لكنها الفروسية والقوامة فقد نبذها وكأنما شهد على فاحشة ارْتكبتها.
لم تدر عشيقته لماذا هجرها وتخلّى عنها ، وحتى أمّها التي رأت في ابن زامل فارس أحلام ابنتها الوحيدة فوجئت وبكت من أجل قرّة عينها ، المؤدّبة المحتشمة ، وسبق أن رفضت ابن عمّها المقيم في مدينة الشحر لأن في سويداء قلبها رجل أحبّته ، شاعر رقيق اسمه: ابن علي زامل ، ولن تقبل بغيره غير أنه صدّ عنها وأساء إلى عفّتها. قررت الأم وابْنتها الرحيل إلى مدينة الشحر والعيش بجوار الأقارب بعيدا عن قساة ظالمين لا يتورّعون في طعن العفّة والشّرف . عاود ابن عمّها الخطبة فوافقت ووافقت أمّها.
علم ابن زامل أنّه ظلم فتاة ،طاهرة ، نقية ، شريفة فقرر أن يصالحها ، ولكنها الآن خطبت لابن عمّها والزّواج قاب قوسين أو أدنى . سافر إلى الشحر ووصل ليلة الزّفاف واستأجر منزل يقال له بيت الظّليمي بالقرب من البيت الذي ستزفّ إله العروسة وبالتحديد بالقرب من المخدعّ الذي سيحضنان بعضهما فيه على ملّة الله ورسوله. تقول أحداث القصّة أن ابن زامل أطْلق صوته يغني على نغمات أوتار العود:
يقول ابن زامل مساك الخير يا مير الملاح................ الخ. القصة تطول انتهت بموت العروسة وأمّها أثناء الصّعقة . [ بلاد الأحقاف رموز وزكنوز ]
***
أماّ قصّة قُطْنة فبالرغم من أحداثها المثيرة إلا أنها تدخل في النّطاق الواقعي:

• كثيرون هم الذين مات آباؤهم وإخوتهم من شأن: [ عيون قُطنهْ ]..... هذه الفتاة كانت سببا في القتال من تدمر حتى حدائق بغداد .
فتاة من قبيلة السردية اشْتَهرَت بالجمال ، بنت شيخ العشيرة الذي وافته المنية وهي في الثالثة عشر من عمرها . كان لها شقيقان: علي ومتعب . في فترة غياب متعب مع مائة من رجاله اجّتاحت قبيلة عنيزة العشيرة وقتلت عليّا ثمّ ولّت الأدبار فلبسن أمّهات القتلى وزوجاتهم وأخواتهم أقدم ملابسهن وأرخين شعورهن ، وخطّطن وجوههن برماد بعر الإبل ، ثم سرن بين الخيام يَنُحْن إلاّ قطنة التي خرجت في أجمل زينة ، فأدهشت الجميع الذين قالوا بصوت واحد: [ خزاها الله ولا خزا شقيقها الميّت ]. صاحوا في وجهها:
ـ هل أنت مجنونة يا قطنة؟ إنّ دم أخيك علي لم يجف على الرمل بعد ، هل أصبت بالجنون؟
هم يستهجنوها وهي تغنّ من تأليفها ومعنى الأغنية:
[ يا لعاركم يا فرسان السّرديّة ! إن أخي وشقيق شيخكم يستلقي مقتولا ، وها أنتم هنا قاعدون كالجبناء بدلا من ملاحقة العنزة والانتقام منهم.
انظروا إليّ! ها أنذا قد ارْتديت أحسن ما عندي ، وأصبحت جاهزة حتى أكمل عاركم ، لأقاد هبةً أمةً إلى شيخ العنزة الذي سيبقي على حياتكم من أجل جسدي.
أحبّت رجلا يدعى: طرّاد بن زبن من قبيلة بني صخر ، المشهور بالشجاعة ، غير أن أخاها متعب رفض قبوله عندما تقدّم لخطبتها ، فكانت صدمة لقبيلة بني صخر ذلك أن طرّاد يعدونه من أشجع رجالها . تدارس شيوخ بني صخر الأمر واهتموا برغبة طرّاد مفخرة القبيلة في القتال ، وقرروا أن يذهب شيخ العشيرة في مائة من رجاله إلى الشيخ متعب الذي أرادها تعجيزا ولم يفلح ولكنه ضمر الخداع والمراوغة حين وافقوه على طلبه:
ـ خمسمائة ناقة بيضاء.
ـ ثلاثين بندقيّة .
ـ ستون حِمْل من الحبوب على ظهر ستين جمل.
ـ سروج عديدة وبسُطُ كثيرة .
كلمة شرف ووعد حرّ هو ذاك الذي أعطاه متعب لشيخ بيني صخر ، وسيلحقه العار إن لم يف بوعده . حان الموعد وأتى الرّجال بما التزموا به غير أن متعب هرب في الليلة السابقة مع قطنة وأهل بيته ووجد في جبل الدّروز ملاذا له ، وهنا شعر بأنه غريب بينهم فانْتقل إلى سلطان باشا الشعلان شيخ قبيلة الرّوالة .
لعن طرّاد بن زبن اسم متعب وأقسم بأغلظ الأيمان أن ينتقم من كل من يجرؤ على إيوائه ، لكنه الآن تحت حماية شيخ الروالة الذي سحره جمال قطنة فاستغل ضعف متعب وتقدم لخطبتها وجاء الموافقة فورا وبدون تردد. حلّت أفراح سلطان باشا الشعلان وزفّت قطنة إليه عروسا وبدأت المتاعب ، فلقد تجهّز طرّاد للنزال ، وما هي إلا أيّام حتى انقضّ هذا الذي وصفه سايبروك بـ [ نمر نصف جائع ] مع ألف من رجاله على قبيلة الروالة وذبحوهم ، وحكي عن طرّاد أنه كان يصيح في تلك المذبحة: [ من شأن عيون قُطْنةْ ] .
وهكذا نشبت الحرب في الصحراء ، وكلّما أحصت نساء الرّوّالة عدد قتلاهن لعنّ قطنة وجمالها وسمّينها: [ حُرْمَة دما ] ـ [ حرمة حمراء ].
( وحين كانت تخرج من جناح الحريم ، كانت النسوة اللواتي لا يجرؤن على توبيخها علانية يجتمعن ويسرن معاً ويتهامسْنَ: [ دم أخي في عيونك ] ـ [ دم أبي في وجهك ] ، ولكن قطنة لم ترد على توبيخا تهن بل كانت تمشي في زهو ، صامتة غير سعيدة فالقلب هناك حيث يهوى.....
استمرت الحرب الضّارية ، وذات ليلة توغّل طرّاد بن زبن مع فرسان كثيرين وساق ثمانمائة من إبلهم ، وخفن نسوة الروالة من مجازر جديدة ، واجْترأن على إغضاب الشيخ برفع أصواتهن باللعنات ، فدافع الشيخ عن قطنة وصرفهنّ ، وبينما هو كذلك خرجت عليهنّ قائلة:
[ أيّتها الخنزيرات ، يا قطيع الإناث الجائعات ، الضّعيفات الأرحام! أتجرؤن على توبيخ قطنة! وبّخن أنفسكن يا صغيرات الأرحام! يا نسوة لا يلدن رجالا بل غنما ، ويسلّمن أنفسهنّ للذبح كالغنم. إذا كنتنّ لا تستطعن إنجاب أطفال يكونون رجالا ، فاذْهَبْنَ إلى طرّاد وبني صخر واسْتلقين على ظهوركنّ ، ولسوف تعلمن ما إنجاب أطفال رجال ، مع أنّ ذلك سيمزّق أحشاءكن. ].
كلام مسّ شرف سلطان باشا وقع عليه كالصّاعقة ففكّر في قتل قطنة في الحال. تقدّمت نحوه وجّثتْ أمامه وعرضت حنجرتها للسيف . لم يفعل بها شيئا غير أنه لحق بها في خيمة الحريم فشق الحرير ومزّق الثّوب وأنزل على جسمها العاري ضربات الخيزران الدّامية دون صوت منها.
أخذت في تلك الليلة تعدّ العدّة فجهّزت لها زاد ووضعت رحْلا على ظهر بعير بارك وامْتطته والنّاس نيام واتّجهت نحو خيام طرّاد . كانت منهكة وجائعة وشديدة العطش بعد مسير أيّام وليال . وصلت أطراف المخيّم ونزلت عند رجل أكرمها وذهب فرحا ليخبر طرّاد الذي قال له:
ـ إن تركت شعلان من تلقاء نفسها فأهلا بها ، أما إذا كانت تركته رغما عنها ، عماني الله إذا نظرت إلى وجهها.
عاد الرسول ، وقال لها:
ـ قولي يا قطنة قولي لي: إنّك تخلّيت عن شعلان من تلقاء نفسك.
عرفت من خلال السؤال كل ما قيل ولم تجب ، بل قامت ومضت في الظلام إلى الجمل البارك الذي لا قِرْبة ولا مزاد على ظهره ، ثم اتجّهن في عمق الصّحراء...........