الـّرزيــح
يقول بن هاشم يلعب العمال ( ويعني بهم غير السادة والمشائخ والقبائل ) لعبة ( الرزيح ) لإدخال السرور إلى أنفسهم في ساعات المساء والسـهرات(39) ولهذه الرقصة ( الحان حضرمية أصيلة ممطوطة ) حيث يغني أحد الراقصين(40) فيجاوبه الآخرون بكلمات مرتجلة تحرك السامعين فتهتز الأرض من تحت أقدام الراقصين .
وقد شاهد سكني (Skene ) الرزحه في زنجبار يرقصها راقصون بالسيوف المجردة وقال أن فيها طبلا يسمى ( مرواس ) يصاحب تلك الرقصة ويرى أن الرقصة جاءت من مسقط .
وقد شاهدت الرزيح في سد النقره أثناء ( زيارة هود ) في شهر يوليو 1947م يقوم بها العمال الذين يعملون هناك وانقل هنا هذه الملاحظات التي سجلتها أثناء المشاهدة ، ( في وسط الدائرة هناك بعض الشلالين(41) ومعهم حوالي ثلاثة من( البقارة ) الحرث على الجانبين، ويحرك البقارة أجسامهم من منطقة الوسط ( الخصر ) ويحركون رؤوسهم ( فيتحرك الشعر )، ويحمل الرجال الآخرون نوعا من المناجل يسمى الملعب(42) والبعض يحمل العصيان إذا لم تتوفر( الملاعب ) وفي مرحلة من مراحل االرقصة يضع الراقصون العصي بين أرجلهم ويقومون بتمثيل حركات جنسية مع الآخرين، وهذا مما يثير الضحك والتعليقات اللاذعة ، وقد جاء الرعاة من تريم وهم يختلفون في ملامحهم عن ملامح ( الفلاحين ) ، وتبدو ملامحهم اقرب إلى الملامح البدوية شعورهم طويلة متموجة ، و من الواضح عليهم انهم أكثر أرستقراطية في الملامح من الفلاحين .
وليس هناك ترتيب في وسط الدائرة ويمكثون في أماكنهم ثابتين ثم يدوسون بأرجلهم بقوة ويقفزون ويهزون الأرض في انسجام ، ولا يتحرك المحيطون بالدائرة كثيرا وتبقى حركتهم متناوبة إلى الأمام والى الخلف أثناء الرقص ، ويبدوالمغني أو( الشلال ) وكأن له خطوات منتظمة مع نظم الشعر ويحرك البقارة رؤوسهم مع إيقاعات اللحن ، وقد كانت الأغنية في هذه المناسبة ( هـا النبي ) ، أي يا نبي نظرا لأن ذلك هو موسم زيارة النبي هود ، وتستغرق كل رقصة من خمس إلى عشر دقائق قبل ان يتقدموا نحو الدائرة ويضربوا بأقدامهم على الأرض .
( والرزيح ) هي رقصة الفلاحين وخاصة البقارة وهم من يقومون بحرث الأرض بواسطة الأبقار، وهي في الأصل تتكون من دائرة تضم صفا من الشلالين في الوسط ويمكن اعتبار الشلال كقائد للجوقة أو الفرقة ويؤدي كل شلال قصيدة أو عددا من القصائد تنفرد كلماتها بلحنها الخاص، وتقام رقصة( الرزيح ) في الولائم أو في أيام العواد(43) أو الزيارات ومايشابهها ومناسبات الزواج .
ويجتمع الراقصون عند بيت رئيسهم ( الأبـو ) وهو في الغالب مقدم الحارة أوبيت المنصب في الاحتفالات الدينية (44) وغالبا يجتمعون عند بيت (الأبو) ثم يذهبون إلى بيت المنصب ، أو إلى بيت الزواج وقبل أن يبدءوا تحركهم يجتمعون في فرق تسمى في تريم ( خابه ) وجمعها ( خويب ) كما تسمى ( مرزحه ) ولكل فرقة ( شلال ) وينادي رجال ( النابه ) ( بغينا حد يشلنا ) ، أي نريد شخصا يغني لنا ويغني كل شلال لحنا مختلفا ( ينشد الشلال أبيات قصيدة ) ، يرددها رجال الفرقة نصف بيت بعد نصف بيت ، ويضيفون إليه تخميسات المتفق عليها ، ويتقدم دائما البقـّارة وقد قصوا شعور رؤوسهم قصّات قصيرة تصل إلى اسفل آذانهم وهم القائمون بأعمال الحراثة واكثر طبقات المزارعين تشريفا ويمشون متميزين في صف أو طابور طويل يتقدمهم ( الأبو ) يحركون رؤوسهم من جانب مع حركة و تمايل الشعر(45) إلى اليمين واليسار تبعا لإيقاع الموسيقى ، ويتقدم الآخرون في فرق أو صفوف تتكون من حوالي ستة أشخاص حاملين سكاكينهم ( شفارهم ) التي يستعملونها في لزوم الزراعة ، وتتكون الفرقة أو الصفوف الأولى من شيوخ المزارعين بينما تتكون الفرق الخلفية من الشباب وهم بهذا يأتون على شكل فرق غنائية إلى ساحة واسعة حيث يكونون حلقة الرقص وعادة ما ينشدون أشعار كهذه :
تـســلا يـاقـلـيبي شف الدنيا مخــــــلاه
وكم من مال يمسي لمولى غير مولاه
وعندما ينشد الشلال النصف الأول من بيت الشعر عادة مايجاوبه الآخرون بقرارمألوف مثل :
1- سبحان من لا يفنى ولا يزول ملكـه
2- يا للــه با لجـمــاله
3-- يا خـلّ بكيتنـا دمـوع
وإذا كان لهم ولي في الحي ، وعـادة مايكون ذلك فقد يرددون هذه الكلمات:
شيخنـا المشـهور عـلوي
شيخنـا المشـهور يحي
وقد ينشدون أغنية من نوع آخر مثل :
وكـريم يالله على واديك يا با عــلال (46)
لأجل الخراعيب والله مامعي فيك مال
اليوم يابيت نيل معلوم خيطك روى ( تخميس )(47)
ماليـوم..ماليوم…
وعندما يصلون إلى الساحة التي تكون في بعض الأحيان عند بيت ( الأبو )أو المنصب أو عند بيت الزوج يؤدون التنصوره أو ينصّرون ) ،مثلا قولهم:
وأدرك على صاحبـك وأبشــــر بمـا يسُّـــــــــرك
وعادة ما تختتم المسيرة بصيحات مثل ولاّ خب،و أ يـ يـ يـ يـ أيـ أيـ أيـ او أيـ يـ يـ يـ يـوه ، يرددها الراقصون مـرّة أو مرتين ثم تتكون حلقة أو( مدارة كما تسمى حلقات الرقص ) ويدخل المغنون أو ( الشلاله ) ويصطفون في صف يعرف بصف الشلاله وفي وسط الصف بالضبط يأتي شلاله البقـّاره، ويشرع شلال البقـّاره بالغناء أي ( يشل ) القصيدة وينشد نصف بيت فتجيبه كل الحلقة بقرار أو تخميس من تلك التخميسات التي تستعمل في المسيرة أو الموكب السابق( سبرا ) ويصحب ذلك حركات شائعة بالأرجل كنوع من التوقيع والرقص على الغناء ثم يأتي آخر وينشد قصيدته بلحن آخر وبتخميس خاص بهذا اللحن، ويستمر ذلك حتى يكون جميع الشلاله قد غنى كل منهم قصيده ، وإذا كان عليهم بعد نهاية الرقص أن يذهبوا فأنهم يذهبون إلى بيت( المنصب ) أو ( مقـّدم الحارة ) أو ( الأبو ) باستثناء البقـّاره فأنهم لا يذهبون وربما يكون السبب في ذلك أنهم لا يعتبرون أنفسهم من ( طبقة المساكين أو الضعاف ) (48) ويحمل الشباب ( الأبو ) وأحسن الشلالين على أكتافهم جيئة وذهـابا، ويحاول ( الأبو ) بشيء من التواضع المعروف بين سكان جنوب الجزيرة العربية، أن يمنعهم من معاملته بهذه الطريقة غير أنهم لا يزيدون ألا إصرارا.
الزامــل
قام كل من لاندبرج (49) وروسي بنشر أ كثـر عن الزامل، وكأغلب أغاني العمل والمواكب والأسفار تنظم قصـائد الزوامل على بحر الرجز وتغنى قصائد الزوامل ارتجالا كما هي العـادة وتنشرها القبيلة في مواكب الحرب أو العودة من المعارك ، أو رحلات الصيـد الموفقة أو في الأعراس والولائم.
وتعتبر قبيلتا ( نهـد )و( يافع ) أكثر القبائل إجادة للزوامل في حضرموت ، والزامل كما يقول لندبرج أكثر بطئـا من(المرجوزة) والقصة التالية تمثـل أحد المناسبات التي يقام فيها الزامل (( في أحد المناسبات ذهبت نهـد ويافـع إلى (الحكم بن عجاج ) المقيم في( قعوضه ) و(الحكم تقليد قبلي لحاكم يحكم حسب الأعراف القبلية والعادات المتوارثة..الخ ) ، وكان وصول نهـد قبل يافع وقد خشي اليافعيون من أن يكون الحكم قد تمت رشوته فأنشدت يافع هذا الزامل:
مــاشي بقش ماشي بقش
من لي يــهـزّون النمـش
يـافع كـمـا نـاب الـحـنـش
من عـضّته مـالـه طبـيـب
وأهتز حكم نـهـد وأخذته الغيرة على سمعته ، فأجاب على الفور لليافعيين بالجواب التالي :
مافي قعـوضه شـي وخـش (50)
أو عـال في رؤوس الحمـش (51)
لو تغـدي العظمان طـــــش
نحكم على الحكم الصليب
وكمثال آخر على الزامل :
يوم التقوا في المسحره العقل عا لشيبان ضاع(52)
شطيت ماشفت السما وطيت ما حصلت قـــــــاع
وحدث أن كان بعض من قبيلة العوامر يحاولون أن( يرتجزون أويزملون ) فطلبوا من بعض المشائخ ( آل الزبيدي) أن ينظم لهم أبيات زامل فأعتذر بداية الأمر غير أنه وبعد إلحاح شديد من قبيلة العوامر اقتنع أن يقول أبياتا للزامل وذلك بعد أن أعطي الأمان من القبيلة، لأنه كان أعزل من السلاح كغيره من المشائخ الذين كانوا يقتدون بالسادة ، ويذكر أنه نشبت حرب بين السلطان الكثيري والعوامر أدت إلى مقتل الكثير من قبيلة العوامر فأنشدهم الشاعر الزبيدي قائلا :
كل تكهف من سيول الصيف يوم الزبد رابط لســــاس الدار
وأهل الميازر ناكسين السيِّف يا من رفع راسه دقّه الغــار
وقد كان الشـاعر الزبيـدي يقصـد بسيـول الصيـف جنـود السـلطان الكثيري ، وأدرك العوامـر هـذا التلميح السـاخر بالطبـع ، وآثار ذلـك غضبهم وحفيظتهم على الشـاعر وهم الشبـاب ذوو الحميـة الزائـدة من العـوامر أن يقتلوه في الحـال فصـاح فيهم ( المقدم ) قائلا : ( في وجهي ) أي قسم على الشرف ، ويعني بذلك أن الشاعر قـد أصبـح تحـت حمايتـه فرفع شـباب العوامر أيديهم عنه.
المراجـيـــز
يقول بن هاشم : ( تقوم المراجيز بالنسبة إلى أبناء الحارة مقام الزامـل بالنسبة للقبائل ، و يتنافس أبناء الأحياء بها مما تثيره من حماس بينهم وعادة ما تبدأ بعبارة ( قـال بـداع القـوافـي ) .
وتعتبر المراجيز من أغاني أبناء الحضر من سكان الحارات في المدينة ، خصوصا عنـد عـودتهـم من الصـيد في مجموعات تعرف ( بالخبره ) وتتكون ( الخبره ) من حوالي عشرين شخصا من ( المساكين أو أبناء القبائل أو السادة ) تحت أشراف ( أبو الخبره ) وتتقدم جميع ( الخبر ) في نظام محدد بحيث لا تتقدم مجموعة على الأخرى وعند العودة إلى تريم ترتب كل مجموعة أفرادها في خط أو طابور طويل مع الاحتفاظ للقبائل بالمقدمة ويمسك أقوى رجل برأس (الوعل) على عصـا ويكون في مقدمة المجمـوعـة ويروح ويجئ من المقدمة إلى المؤخرة ويسـمى هذا ( الـزف ) ويكون لكل مجموعة أغنيتها الخاصة حيث يتقدم الشعراء من أي جانب من الخط بإلقاء الشعر عندما يتهيأ لهم المزاج ويتوقف الخط عن السير ليستمع إلى الشاعر الذي يقول أبياتا كـهذا البيت:
قـال بـداع القوافي بارق الجـودات رف
وفي هذه الحالة قد يثير رجال حي معين أبناء الحي الآخر بتعليقات ساخرة مثل:
قال بـداع القوافي خـابروا من لا عــرف
من خلقنا ما سمعنا زف عند أهل الغرف
أي أنهم لا يستطيعون اقامة موكب لصيد الوعول بأي حجم كان ، حيث أن الزف لايمكن أجراؤه الابوعل له أربعون حلقة في قرنه ويسمونها ( عجر ) ، أمااذاكان لقرنه عشرون( عجرة ) أواقل فلا يقام له زف أما الغزال فليس له شيئ يذكر بالطبع (53).
وهناك أبيات أخرى بالرجز يسخر فيها الشاعر من أهل ( السويري ) وهي قرية على مقربة من جنوب مدينة تريم الذي كما يقول الشاعر اشتهروا بالخفة والتقلب ، بحيث لايمكن الاعتماد عليهـم يقـول:
أهل السو يري كلهم عطابيش
لي الهبوب يشلهم كما الريش (54)
ولا يحق لغير أهل الحافة استعمال شـبكة الصـيد ، وهي عبارة عن قطعة سـوداء من صوف الماعز فيهـا عيـون وثـقوب يصل اتساع العين الواحدة إلى ثلاث بوصات مربعة (55) ، أما عند القبائل فالأمر يختلف بعض الشيء فكل جماعة من الصيادين أو( القناصة ) أوالقنيص رئيسا أكتسب الخبرة من أجداده في معرفة هذا الفن ويعرف مكان مرور الوعول في مختلف الممرات أو ( الشـّحر ) ويقوم هذا الرئيس بتعيين مواقع الرماة ببنادقهم ( الرميان ) ، ولاشك أن هذه المواقع كان يحتلها رماة النبال قديما إذ لازالت الأقواس المصنوعة من جريد النخيل يستعملها الأطفال من بين ألعابهم لرمي الطيور (56) ويأتي الضاربون على الطبول ، أو ( الشنانه جمع شن ) من خلف الجبل أو من جوانبه وهم يصرخون ويضربون على الصفائح المعدنية( التنك ) محدثين بذلك ضوضاء كثيرة ، وعادة ما يكون هؤلاء من غير حملة السلاح ويتخذ كل أثنين من ( الرميان ) موقعهما في الممر أو ( الشحره ) ، وتبدأ اللعبة بين الرميان ويضرب الرامـي ببندقيته على الحيوان عندما يمر في مجال رميه أي في ( الخطمه ) جمع خطم ، ولا يحق له أن يرمي إذا تجاوز الحيوان ( خطمته ) ، وظهر في خطمة جاره وإذا حدث أن تجاوز أحد الرماة مجاله وضرب الحيوان وهو في خطمة جاره ، فانه يحال إلى القضاء حيث يتقدم أهل الحافة إلى ( أبـو الحي ) وعندما يعجز عن إصدار حكم مقنع فأنهم يذهبون الى أهل ( مدوده ) وهي قرية تقع على مسافة ساعة شمال سيئون ، وهناك كما يقال يوجد نوع من المحاكم الخاصة لمشاكل القنيص واختلافات أهله ، حيث يعرض المتقاضون من الرميان قضيتهم فيحكم فيها أهل ( مدوده ) ويصدرون قرارا بذلك ، ولسؤ الحظ لم تتح لي فرصة لمزيد من البحث حول هذا الموضـوع ، وأما القبائل فلا يحتكمون لأهل ( مـدوده ) بل يقدمون شكواهم إلى ( مقادمتهم ) أو رؤسائهم.
والى جانب الرميان ( والضاربين على الشنان والتنك ) هناك الخـّداعه ، أو( المكمنين ) وهم أشخاص يكمنون للوعل بالسلاح الأبيض من خناجر وغيرها ، فمثلا هناك إذا رمى ( أ ) الحيوان وجرحه ، ثم رمى ( ب ) الحيوان وقتله فلا اعتبار لضربة ( ب ) وتحسب لصالح ( أ ) شريطة أن يكون ( أ ) قـد نبه الآخرين قائلا : ( وثلا ثي )(57) ، والمعنى من هذا التعبير الغير معروف ويبدو أنها تعني لقـد كـسبت انتصرت أو حزت النصر ، وفي حالة التنازع حول من ضرب الحيوان فيستطيع القاضي أو الحكم بالطبع أن يتعرف على الرامي بمعرفة نوع الطلقة تبعا لاختلاف لأنواع البنادق والرصاص ، وإذا حاول أحد أن يغش في اللعبة وهو أمر خاضع للمراقبة الشـديدة فأنه يفقـد نصيبه من الغنائم ، حيث يعتبر الصيد شيئـا مبجلا ، محترما وقـوانينه في الدرجة الثانية بعـد التشاريع الدينية ، وتوزع مهـام اللعبـة أي عملية الصيـد على جميع الرماة ، إلا أن أنجح الضاربين ينال نصيبا أوفر على وجه الاحتمال ولا شك أن هناك قانونا مقدسا في توزيع أجزاء الحيوان ( الوعل ) المصاب كما يحدث ذلك في تقسيم الذبيحة للضيف أو المجمـوعة من الضيوف فهناك طريقة محدده لتوزيع قطع اللحم بين الضيوف ثم بين سكان البيت عندما يأكل الضيوف ما يكفيهم ، وسنورد في الجزء التالي مزيدا من التفاصيل عن الصيد في حضرموت لأهمية ذلك في الكشف عن النقوش التي تعود إلى عهود ما قبل الإسلام ، وذلك في حديثنا عن القصائد الملحقة في الجزء الأخير من الكتاب.
وفي الوثائق التي توضح حقوق الحضر في حافة ( السوق ) في تريم ، هناك إشارة إلى الطرق المتبعة في الذهاب إلى الصيد وتلميحات إلى كثير من الأعمال الغريبة كذبح رأس الذبيحة على أحد أطراف شبكة الصيد إذا كانت الإصابة بالبندقية في مكان غير مناسب من جسم الحيـوان.
لقد تحدثنا حتى الآن بما فيه الكفاية عن الصيد لعلاقته بالمراجيز ، ولا تزال هناك مناسبات أخرى للمراجيز كوصول ( غريب ) من سفر ، والزواج وعقب صلاة العيد ، إذ يصطف رجال القبائل في صف أوصفين حسب العدد الموجود وتكون الشخصيات البارزة في الوسط من الصف الأول وبينهم المقدم أو الرئيس ، ولكل قبيلة شاعرا خاصا ، وغالبا ما يكون المقدم نفسه ، ويتقدم الموكب في خطوات وئيدة مع ضرب البنادق والغناء (58) ، وكما أشرنا سابقا فأن الشـاعر عندما يرغب في إلقاء الشعر يتقدم واجهة الصفوف فتقف القبيلة ، وقد يؤدون التنصوره متبوعة بأصوات( ولا خب أيـ يـ يـوه ) الخ. وكمثال على التنصورة مايلي:
نحن الأسـود الغـلاّ به .... كمن قبيلي كسرنا نابه
وإذا كانت المناسبة عيدا فعلى مثل هذه المواكب أن تذهب نحو بيت ( المنصب ) أو أي مكان آخر بعد أن يرتبوا أنفسهم في صف طويل ، وبعد ذلك أما أن يطلقوا وابلا من الرصاص أو يخطو المقدم إلى مؤخرة الصف ويشير عليهم بأن يطلقوا النار واحدا واحدا أو يؤلفون محيطا مستديرا (حافه) (59) يدورون فيها وهو عمل لابد أن يكون مشابها للطواف عند العرب القدماء وقد شاهدتهم يفعلون ذلك الدوران في اتجاه معاكس لحركة عقارب الساعة ، وبعد ذلك يقومون بأداء رقصة تسمى ( برعه ) (60) في دائرة تتكون من صف واحد من أفراد القبيلة ويدخل واحد أو اثنان يرقصان بالجنبيه ويكون الراقص الأول هو المقدم ، ويـؤدي رجال قبيلة يافع في حضرموت رقصة البرعه ( بالسيوف).
أناشيد المولد
يقول بن هاشم : (( لقصة المولد النبوي (61) والمدائح التي تقال في صاحب الرسالة شعرا خاصا ، يترنم به أولئك المشاركون في مراسيم المولد ، ويبدأ قائد المرتلين( الحادي ) بالغناء أي يحدوهم فيجيبه الحاضرون بتراتيل معينة ، ويحركون رؤوسهم بنشوة وارتياح ويحتوي كتاب المولد وأسمه ( مشرف الأنام ) على أكثر من عشرين قصيدة في مدح النبي ، ولكل قصيدة لحن حضرمي بهيج يردده المنشدون دائما ويذكر أنه قبل اكثر من ثلاثمائة سنه دخل الشيخ الفاضل علي باراس إلى الحرم المدني يتبعه حشد من الناس ( وقاموا ) بأداء مولد حافل دعا إليه أعيان المدينة بعد أن أقام بجمع الحضارمة الموجودين هناك وحداهم بقراءة مولد ( مشرف الأنام )(62) محافظا على الأداء بالطريقة الحضرمية في الإنشاد وقد عمت النشوة والسعادة جميع المشاركين وعاد سكان المدينة إلى بيوتهم وقد امتلأت صدورهم بمشاعر الإعجاب بتلك الألحان الرائعة )).
ولا يبدو هناك أي اختلاف كبير بين الموالد الحضرمية وغيرها في العالم الإسلامي إلا أن (مشرف الأنام) يتميز بكونه مولدا حضرميا خالصا ويذكر سنوك هير قرونجيSnouck Hurgronje (63) أن هناك مولدا شائعا في( جاوا ) لأحد البخاريين يسمى ( مولد شرف الأنام ) ومن المحتمل أن يكون نفس المولد الذي أشــار اليه بن هـاشم .
وفي يوم مولد الرسول في شهر ربيع الأول يجتمع الناس لقراءة المولد وعادة ما يكون مولدا قصيرا اسمه (مولد الدبيعي) أما في المدن الكبيرة فيقرأ (المشرف) في المساجد الرئيسية ويستغرق ذلك اليوم بأكمله (نهارا كاملا) ويتجمع الناس في جامع تريم قادمين من المناطق المحيطة حيث يبدأ المولد قبل غروب الشمس وتوجد في تريم عائلة من المشائخ هم ( آل باحرمي) الذين يشار إليهم كثيرا في التاريخ الحضرمي إذ منهم كثيرا من الدارسين المشهورين وأفراد هذه العائلة هم الذين يقرءون( المشرف) ويعرفون أنغامه وهم بالفعل مرتلو القرآن في مساجد تريم وعند تجمع الجمهور يشرعون في نشيـد المولد ، كما يقرأ المولد أحيانا في مناسبات الزواج للتبرك.
الحان ليـالي رمضـان
يقول بن هاشم: (( تحى ليالي شهر رمضان بعد صلاة التراويح في حضرموت وذلك بالأناشيد والأغاني الشجية التي تحتوي على قصائد في مدح الرسول وأهل البيت ، وقد لحنت هذه القصائد بالحان مؤثرة تحرك القلب والمشاعر وتثير عواطف الإنسان وذكرياته التي كادت أن تنسى مثال:
مرحبـا ياشهـر رمضــان مـرحـبـا شـهـر العبادة
عـــــــاده الـلـه عـلـيـنـــا و عـليكــم بـالسعـادة
وهكذا تبدأ قصائد وأناشيد شهر رمضان وهذان البيتان يستعملان كقرار للأناشيد التي يغنونها ولها ألحان خاصة بالرغم من أن هذه الألحان ليست قديمة وقصائده على شكل التخميس ولم أنقل منها شئ باعتبارها مبتذله وعادية غيرمتميزه(64).
أغاني السيول وإرتواء الحقـول
( الـرّايـه ) هي الاصطلاح الفني للحرث وبـذر الحقـول بعـد ارتوائـهـا من السيول المتدفقة من هضبة الوادي والأرض المروية (الجـرب .ج جروب) أو (شرج. ج شروج ) تعود ملكيتها إلى عائلات كثيرة ، وتتم حراثة الحقـول باستخدام الجمال التي يقودها ( الجمالة أي أصحاب الجمال ) المخصصة للعمل في الحرث ، أو استخدام الثيران التي يقودها (البقـّاره ) ويدفعـون الحلي وهي آلة خشبية على شكل( L ) منفرج نوعا ما لها مقبض للتوجيه وفي المقدمة الأمامية قطعة حديد عريضة على شكل رأس الحربة تغرس في الأرض لشق عمق التربة ، ويتبع أحدهم ولد ينثر البذور في الأخاديد التي حفرها المحراث ، أو يوضع نوع من الأنابيب تربط خلف المحراث تخرج منها البذور على الأخاديد وبعد ذلك تتم تسوية الأرض ( بالمخفاة ) وهكذا تزرع ذرة الموسم والسمسم ( الجلجل ) و( الدجر ) نوع من البقوليات و ( الفقوس ) الذي يستخرج منه نوع من المكسرات ( الحنظل ) ، أو مايعرف( ب اللب أو الفصفص ) ، وفي بعض الحقول الكبيرة تستخدم أحيانا عشرة من الجمال أوالثيران في عملية الحراثه ، وعندما يدفعها ( البقـّارة ) للعمل يقول البقـّارة لأحدها ( مـد لـك العافيـة ) أي لك الصحة الجيدة وغالبا ما يتغنون بأشعار شاعر قديم من شعراء العامية هو أبو عامر المولود في شبام وقد اشتهر بالحكمة ويقال أيضا أن شبام هي ( مدينة الحكمة ) وأقواله معروفه بين السكان:
يقول بوعامر خيار العلم قولت مادريت ............ إن شفت شي ماقلت شي وإن حد حكالي ماحكيت
وعندما يتغنى أحد الحرث ببيت من أبيات بوعامر يجيبه الآخر ببيت مختلف مستهل بعبارة ( يقول بوعامر ) ويجري كل ذلك أثناء الانشغال بالحراثة ومع حركة حيوانات الحرث ، وتشبه هذه الأغاني الى حد كبيرأغاني تلقيح النخل ( الفخطه ).
______________________________
الهوامش
(39) يحمل من المعنى في العربية الفصحى لكلمة( سمر ).
(40) وهو يعني بهذا (الشلال )سنشرح وظيفته في الصفحات القادمة.
(41) أنظر الصفحات القادمة.
(42) هو نوع من المناجل التي تقطع به الأشجار ويختلف عن(الشّريم) المصرب وهي آلة عمل قديمة جدا وقد وجدت في حفريات في اليمن اشتريت شريم لمتحف جامعة كمبردج للآثارأنظر ماكتبه(C.Rathyens H.V. Wissmann ).
(43) المعنى الحرفي أيام الزيارة من ( عاود أي زار) .
(44) عادة ما يكون المنصب في تريم من السادة وهوصاحب (حوطه) أي منطقة محمية مقدسة محاطة بالأسوار راجع بماذكر في المراجع المألوفة.
(45) يقوم أغلبية الحضر والفلاحين والطبقات العلياء في حضرموت بحلق الرأس أنظر(سونتان)في كتابه حضارة الصحراء باريس1949م) حول عادة تعقيد أو نسج الشعر.
(46) يقال أن وادي باعلال قرية جنوب الغرف ولكنني لااعرف موقعها كما لم أر لها أثر في خرائط (فسمان) أما قرية باعلال معروفه ومشهورة ولاتوجد قريه باسم وادي باعلال.
(47) المعلوم (جمعه معاليم(هوثوب نساء الفلاحين أو البدو) وبعض النساء يلبسن هذا النوع ولكن بتطريز ونقش تقليدي جميل وقد اقتنيت بعضا منها لمتحف جامعة كمبردج (المذكور) وعندما يصبغ الثوب حديثا بالنيل ويضرب ويكتسب منظرا براقا جميلا سرعان مايزول بالاستعمال ويخاطب الشاعر المرأة بيت النيل أي بيت (الصبغ) ويعني بذلك(ماأجملها وأحلاها في هذا اليوم) وكلمة اليوم لامعنى لها هنا وهي تتكرر ككلمة كورس وهي تشبه بالضبط تكرار كلمة ( يانوب ) أي النحل و( يوم ) مهمة هنا للقافية. وتعني كلمة ( مـال ) في حضرموت ( مزارع النخـيل ).
(48) لا يتزوج نساء الحضر إلا ناذرا من طبقة(المساكين) إلا أن الرجال يمكنهم ذلك ،ويعتبر البقاره في موقف أعلى من (المساكين) بالرغم من أنه يستطيع التزوج منهم طبعا ، والمبدأ الأساسي هو أنه لايمكن للمرأة أن تتزوج بمن أقل منها طبقيا أما الرجل فيستطيع الزواج من امرأة أدنى منه طبقيا وهذا هو المبدأ الرئيسي في النظام الاجتماعي.
(49) لاندبرج (حضرموت ) ص141 .
(50) يجب أن يكون الرد في الزامل بنفس الشكل العلروضي والقافية للزامل الأول الا انه فوق مقدوري ان أجد قوافي كافية بالإنجليزية وأن أحتفظ بالمعنى . (وخش) دسائس.
(51) الحمش: هي القمم العالية من الجبال وتعتبر البراكين من معالم حضرموت وهي تشمع عالية على السطح الممتد للجول.
(52) ترادف كلمة المسحره السهل الصحراوي ، وقد قيل انه موقع غربي شبام.
(53)عن صيد الوعول أنظر ماذكره ( انجرامس ) في كتابه( رقصة صيادي الوعول في حضرموت ) ( لندن1937م ) الصفحات من 12 الى13 وهي مزودة بالرسم مع الملاحظات عن عملية القنص، وقد علمت ان الحكومة الكثيرية قد أمرت بوقف ( الرعشـة ) أو الفنتازيا كما يسميها أهل سوريا التي تقام على القنص وكذلك المرازيح التي تقام بعد إطفاء حريق أو انقاد غريق، وأنظر ص27 حيث ( يرتزج أو ( يرتجز ) الناس في العادة ويؤدي ذلك إلى نشوب المشاجرات والإخلال بالأمن، أنظر ماكتبه A. Beeston)) فيThe Ritual Hunt ) لوفين 1948م الصفحات من 183 الى196 وكذلك ماكتبهG.Ryckmns) )حيث يشير الى أن الغزال الرمز المقدس ( للمقة ) سيد الغزلان، كما شاهدت بعض مناظر قنص منقوشة بالحفر في الحجرفي ( حصن العر ) وقد رسم إحداها فان دير مولن وذلك في كتابه( حضرموت ).
54) تصنع هذه العطابيش (السلال) من سعف النخيل وهي تشبه (الخبر )الصغيرة. (55) لقد شاهدت شبكة من هذا النوع في (عينات) وهو مكان مشهور بتربية كلاب الصيد. 56) ويعرف با سم (المنطب) وهناك عينة منه في متحف جامعة كمبردج للآثار.
(57) ويمكن أن تكون هذه الكلمة مستخرجة من ثلاث ومن السهل الافتراض بأن هذا القسم صادر عن عقيدة ( التثليث ).
(58) عندما تحركنا من رضوم إلى ميفعـه تفرق حراسنا من رجال القبائل إلى فريقين كل في خط وكان أحد الفريقين يتقدم بخطى سريعة رافعين أصواتهم بالمراجيز أومنشدين ( الزامل ) على الحان بسيطة بينما يتقدم الفريق الثاني بخطى متئدة ثم جاء دور الصف الثاني في الهرولة والإنشاد بينما رجع الصف الأول بهـدؤ ولزم الصمت .وعندما اقتربوا من حصن (اصبعون ) أطلقوا الأعيرة النارية في الهواء وهم يركضون .
(59) يقام أيضا محـفّ Mahaff باشتراك حيوانات الركوب في الاحتفال السنوي للشيخ عثمان الهاشمي الذي سميت بلدة الشيخ عثمان ( بقرب عدن) باسمه وقد شاهدت منها حميرا وجمالا ويعتقد الأوربيون بأنها مسابقات بين الجمال والحمير وليس ذلك صحيحا بالطبع فسباق الجمال شئ آخر وقد وصف (ألوي موسل Aloi Musil) في كتابه عادات وتقاليد بدو الروله (نيويورك 1928م) (الحفـّه ) بالركـض.
(60) للمزيد من التفصيل حول هذه الكلمة أنظر ( لندبرج) في(Gloss Dat Arabica) الجزء الرابع53 ، وكذلك صلاح البكري في كتابه (تاريخ حضرموت السياسي)ج2 ص200 وتقام هذه الرقصة في اليمن بمصاحبة الطبول ويحمل الراقصون البندقية بيد والخنجر باليد الأخرى.
(61) أنظر موسوعة دائرة المعارف الإسلامية، مادة مـولـد .
(62)أهديت لي نسخة من مولد بعنوان(مولد الرسول الأكمل محمد ) للسيد محمد بن أحمد الشاطري(القاهرة1348هجرية) وهناك مولد في عدن لمحمد بن سالم البيحاني( طيب الكلام عن مولد سيد الأنام ) ( عدن 1949م) ونستنتج من هذا ان تأليف الموالد الجديدة مستمر.
(63) أنظر كتاب Atcheh ج2 ص212.
(64) يشتمل الثرات الديني الواسع في حضرموت على أنواع كثيرة من الأناشيد طبعت مجموعة منها أشهرها (راتب الحداد)(ياقوي يامتين أكفنا شر الظالمين)وينشد في المساجد.