(مساء الأحد 2/10/1977 استقلت فيرو وفرانكا طائرة الخطوط الإثيوبية التي انطلقت بهما من باريس الى أديس أبابا وبعد توقف لم يتعد الساعة الواحدة تابعت الطائرة رحلتها الى صنعاء، ونزلت الشابتان في المطار اليمني حيث استقبلهما موظفان في الأمن العام يشبهان الى حد بعيد الشابين اللذين أوصلاهما بالسيارة الى مطار اورلي وسهلا دخولهما الطائرة بعد ان سلماهما الجوازين اللذين يحملان تأشيرة الدخول الى اليمن، وأنزلت الضيفتان في سام أوتيل (يقع على بعد أمتار قليلة من مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة حيث مكتب الحمدي الرئيسي الذي كان يدير منه شؤون الدولة) وهو الفندق العصري الوحيد في المدينة ولكنهما لم تستطيعا الخروج من الغرفة فقد وضعت السلطات اليمنية حراسة مشددة حولهما ...لم يعرف حتى الآن كيف أمضت الشابتان أيامهما في اليمن ولا كيف انتقلتا من صنعاء الى تعز، وكل ما هو معروف اليوم ان فيرو بعد أسبوع من وصولها الى اليمن بدأت تتخوف من هذه السفرة الغريبة حيث كل شي متوفر وحيث الضيافة رائعة، ولكن حيث لا حرية في التنقل فاتصلت هاتفيا بضابط كبير من أصدقائها في باريس لان المخابرات الدولية مؤمنه في الفندق، وقالت له انها سجينة في قفص ذهبي ولكن سجينة حتى العاشر من تشرين الأول أكتوبر(1977)...
وصلت أنباء مقتل الصبيتين الى باريس بعد أسبوع وكانت قد انتشرت قبل ذلك أنباء مقتل الرئيس اليمني، صعق والد فيرو عندما عرف بالأمر وحاول الاتصال بالمخرج ليبوفيشي ( منتج سينمائي فرنسي رتب رحلة فيرو التي اصطحبت معها صديقتها فرانسواز او فرانكا كما يسمونها الى اليمن، وقد قتل بعد سبع سنوات في ظروف غامضة واتهم والد فيرو بالعملية) ولكن المخرج تهرب من الاجتماع به وكأنه يخشى تحمل مسئولية ما حصل؟!).
ومثل كثير من عمليات الاغتيال الغامض لشخصيات مهمة، سيظل هناك تلهف لمعرفة الحقيقة كاملة.. فمتى؟؟
السؤال المهم ما الذي جعل الاغتيال يتم بهذه السرعة وبهذه الخطة المفضوحة وفي وضح النهار؟ الجواب أكيد أنها الزيارة الهامة جدا التي ستتم بعد ساعات الى الجنوب، والتي لا يعرف عن تفاصيلها ودوافعها الحقيقية ونتائجها سوى اقرب رجلين إليه عبد الغني وعبد العالم وقبل اتمام الزيارة بساعات لم يكن الحمدي قد فرغ من اعداد قائمة المسئولين المرافقين له ، ولكن اتضح ان المسؤولين السعوديين وفي مقدمتهم سلطان حصلوا على المعلومات التفصيلية الكاملة والدقيقة لهذه الزيارة ، والتي ستعني الكثير لمسيرة الوحدة اليمنية و ستخلط الأوراق في اليمن وان كان سيريح السعودية إبعاد عبد الفتاح الإّ أن أي خطوة متقدمة باتجاه الوحدة الحقيقية تقض مضاجعهم وتقلق منامهم! .
عند منتصف الليل والغالبية العظمى نيام أعلن الخبر الفاجعة (بصوت المذيع عبدالملك العيزري) فظنوا أول الأمر انه كابوس، وعندما تأكدوا انه حقيقة عرف الجميع على الفور الأمي قبل المتعلم الفاعل والدوافع ، وبعد تصريح الناطق الرسمي حول الحادث الذي أذيع بعد خمسة أيام وغمز بخبث الى المنزل المتواضع ( للزعيم المتواضع) الخاص بالراحة ( الجنسية ) :
" في فترة بعد الظهر من يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر / أكتوبر الجاري غادر منزلة الذي اعتاد استقبال بعض الزائرين والموظفين فيه الى المنزل المتواضع الذي استأجره أخوه المقدم عبد الله محمد الحمدي، وجعله شبه استراحة للاستجمام من عناء الأعمال..." ثم كلمة الغشمي بعد أربعة أيام وجاء فيها: ".. . ومع ذلك راح المغرضون ينشرون الشائعات والأقاويل، ولعلهم استغلوا عدم قيامنا بإصدار بيان يوضح ظروف الحادث، ولقد كان سكوتنا بدافع الوفاء (يقصد بالوفاء عدم إعلان تفاصيل الحادث النسائي المشبوه على الملأ)! ...ان القتلة المجرمين ما كانوا ليستطيعوا ان يطالوه ويغتالوه لو انه لم يكن يستهين بحياته ونفسه ، ويخرج في بعض الأحيان لوحده ويقود سيارته بنفسه متخففاً من قيود الحراسة التي كانت مفروضة عليه بحكم أهمية مركزه ، كما كنا نقول له : انك لست ملك نفسك وانما ملك الناس جميعاً الذين يعلقون عليك الآمال ويرون فيك القائد والزعيم، وكان يعدنا بالعدول عن ذلك فيعدل لفترة ثم يعود الى الخروج وحيداً معتمداً على حب المواطنين له ... كيف يمكن ان يغتال رئيسنا وفي قلب العاصمة ؟ وكيف يمكن ان نقنع المواطنين بان الرئيس لم يكن مصحوباً بحراسة ومرافقين وانه كان في دار خاصة استأجرها أخوه الشهيد المقدم عبد الله الحمدي".
علق كل من سمع او قرا ذلك بالقول لقد اختيرت التهمة الغير مناسبة في الوقت غير المناسب، فالبيان والكلمة لم يشيرا لا من قريب ولا من بعيد الى المكالمة الهاتفية التي بموجبها ذهب الرئيس الى منزل النائب بلا عوده خاصة مع وجود شهود عليها ، كما تم التسريب الى وسائل الإعلام العالمية بما أسموه الفضيحة؟!وقد ُسئل الشيخ سنان أبو لحوم في مقابلة صحفية مع صحيفة الأيام في 2001عن ذلك اليوم فأجاب: باختصار ذهب الحمدي الى بيت الغشمي ولم يخرج ؟!.
يوم التشييع عبر الشعب عن غضبه وحزنه برمي خليفته الرئيس الغشمي بالأحذية التي نال ربيّع الذي شارك في الجنازة نصيبا منها على أنغام سيمفونية حزينة صاخبة بصوت واحد تداخلت واختلطت فيها عبارتان:
أين القاتل ياغشمي ؟!
أنت القاتل ياغشمي؟!
لم يهنا الخلف بكرسي السلف فبعد أسبوع دخل عليه في مكتبة الرائد زيد الكبسي صديق إبراهيم الحميم الذي بدا أولا بمحاكمته، ثم عندما همْ بإطلاق الرصاص عليه قاصدا قتله اختبأ الغشمي تحت الطاولة صائحاً بالحرس الخاص لنجدته فاردي الكبسي قتيلاً على الفور.
ثم قيام الرائد عبد الله عبد العالم قائد قوات المظلات بمحاولة تمرد فاشلة أواخر إبريل / نيسان 1978 كلف الرائد علي عبد الله صالح قائد لواء تعز بالقضاء عليها؟!( كان يطلق الحمدي على صالح وصف تيس الضباط ،ولم يكن القصد الفحوله بقدر مايعني العناد والاقدام ،ولذا تجاوز به الاقدم منه في الرتبه والخدمة فرقاه وعينه في فترة قصيرة في منصب هام ولمدينة استراتيجية ، قائداً للواء تعزوقائدا للقاعدة العسكرية خالد بن الوليد الذي اوصله في مابعد الى كرسي الرئاسة؟! ).
في 24/6/1978 وبعد ثمانية اشهر في الحكم جاء مبعوث خاص للرئيس ربيّع الذي اقسم فوق جثة الحمدي بأنه سينتقم من القتلة في زيارة لها علاقة بمحاولة التمرد حاملاً رسالة للغشمي وحقيبة ملغومة أودت بحياة الاثنين وليلحق به ربيّع بعد يومين إعداما بسبب تداعيات الحادث ومع ان الغشمي وبعد المتاعب الذي صادفها منذ اليوم الأول عزز من إجراءات الأمن بشكل مبالغ فيه، حيث ضم موكبه لأول مرة مصفحات عسكرية، الإّ انه في ذلك اليوم طلب ان يدخل اليه المبعوث الحاج تفاريش مباشرة و بدون تفتيش وكان دائم السؤال عنه و عن موعد وصوله أمام استغراب مدير مكتبة ؟!(استقبله في المطار المقدم محمد خميس رئيس المخابرات والرائد علي الشاطر مدير التوجيه المعنوي) .
بيان اغتيال رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة احمد حسين الغشمي (بعد تولي الغشمي الحكم وبعد تعيين اعضاء مجلس الشعب التاسيسي تم تغييرشكل رئاسة الدوله من مجلس القيادة الى رئاسة الجمهورية ) أذيع حوالي السابعة مساءاً وكانت المفاجأة الفرحة التي عمت الجميع (ليس مبالغة ولكنها الحقيقة) ، لأن ربيّع انتقم من قتلة شريكه في مسيرة الوحدة؛ وقد أوضح الرئيس الأسبق علي ناصر محمد في حديث لمجلة التضامن في 15/8/1987 العدد رقم 227 بان المبعوث قريب لصالح مصلح وزير الداخلية (الدفاع في ما بعد) صاحب فكرة اغتيال الغشمي وان ربيّع تردد كثيرا قبل الموافقة عليها ، ولكن التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية الحزب الحاكم في الجنوب حمله المسئولية كاملة ، وبعد الرفض والمواجهة المسلحة تم إعدامه مع مجموعة من مؤيديه ( الراوية التي انتشرت في الشمال قبل المقابلة مع علي ناصرتقول: ان تهديد ربيّع بالانتقام من القتلة وصلت الى عبد الفتاح اسماعيل الامين العام للجبهة القومية الذي كان ربيّع رئيس مجلس الرئاسة الامين العام المساعد له عن طريق احد اعضاء الوفد المرافق، والذي كان يبحث عن فرصة وسبب للقضاء على ربيّع ، وقد جاءته بعد الاتصال حيث تم تلغيم الحقيبة دون علم ربيّع لأن اصابع الاتهام ستتجه مباشرة اليه سواء تم الاغتيال او اكتشفت الحقيبة ، وعندما تمت العملية واتهمت وسائل الاعلام في الشمال مباشرة ربيّع بالوقوف ورائها ، دعي ربيّع الى اجتماع طارئ للمكتب السياسي للجبهة لتوضيح موقفه ، وقد رفض الدعوة واعلن التمرد الذي انتهى باعدامه) .
في 15/10/1978 قام مجموعة من أصدقاء ومؤيدي الحمدي الناصريين مدنيين وعسكريين بمحاولة انقلاب فاشلة بتمويل من ليبيا ضد خليفة الخلف الرئيس علي عبد الله صالح بعد ثلاثة اشهر فقط من تسلمه الرئاسة مستغلين وجوده خارج العاصمة في زيارة تفقدية لمحافظتي الحديدة وتعز(كان من ضمن الوفد المرافق للرئيس ..عبدالسلام مقبل وزير الشؤون الاجتماعية والعمل احد قادة الانقلاب)؟! .
انتظروا الثالثه
والسلام .....