إنها ثقافة الجنوب يا مفوض ( بقلم : صلاح شاذلي )
التاريخ: الأربعاء 19 أغسطس 2009
الموضوع: كتابات حرة
سويسرا – لندن " عدن برس " خاص : 19 – 8 – 2009
ان الحديث عن الجدور الثقافية للجنوب موضوع يطول شرحه الى درجة قد يحتاج الى أبحاث أكاديمية ومراكز علمية متخصصة ولن تستطيع مقالة متواضعة ان تفي الجنوب حقه , وما دفعني للحديث عن الثقافة الجنوبية هو المقابلة الأخيرة للسيد الرئيس علي سالم البيض مع قناة بي بي سي الذي تشرفت بوجود شخصية بحجم البيض يمثل امتداد لجيل من الساسة والقادة العرب الذين عاصروا اهم الأحداث والمتغيرات في المنطقة العربية والعالم في القرن الماضي وفي زمن ما كان يعرف بالصحوة العربية وامتداد حركات التحرر في المنطقة وهو العصر الذهبي للقومية العربية .
بل انه إحدى الساسة الذين ساهموا في صنع تاريخ المنطقة, ولكن كما يبدوا ان المذيع البهلوان قد استثمر المقابلة مسبقا ليستفيد من الامتيازات الممنوحة من النظام في اليمن ويبيع نفسه وأخلاق مهنيته وضميره ولكنة لم يدرك بانه قد سقط مرتين مرة أمام نفسه والمشاهدين وأخرى أمام الأخلاق والثقافة الجنوبية الذي جسدها السيد الرئيس البيض بحفاظه على هدوئه المعهود واحترامه لنفسه ولشعبة الذي كان يستمع الية ويشاهده و قد جسد ذلك من خلال ردوده لكل الأسئلة بالرغم من انها لم تكن ترتبط بصلب المقابلة ولان الرئيس لم يجد ما يمنع الإجابة عن الأسئلة المتطفلة أجابها بصدق لا يخلوا من الثقة والدهشة من مستوى المحاور الذي لم يكن بحجم شخصية البيض , فكلما حاول الرئيس الارتقاء بمستوى الحوار اصر مفوض وليس معوض بالهبوط بالألفاظ والعبارات والاشارات الصادرة من حركاتة لتتناسب مع مستوى الجمهور في سوق الملح وباب اليمن .
وبعد ان استقبل الرئيس الاشارة وأدرك ان الذي أمامه ماهو الا تلميذ في مدرسة حق ميدا ن السبعين وليست مدرسة البي بي سي العريقة , بدا الرئيس في التركيز على بعث رسائل عديدة بحجم المساحة المتاحة للإجابة من قبل المفوض لايصالها لذوي الشأن.
ولان الثقافة الجنوبية كانت غالبة على فخامته لم يقوم بالغاء المقابلة المصورة وكان ذلك حقة وبعث للنظام بما يريد من رسائل كان اهمها واقواها ان فك الارتباط هو سقف لا رجعة فية وان الجنوب قيادة وشعب موحدين وان الشارع الجنوبي هو صاحب القرار .... انتهى.
ثقاتنا وثقافتهم
ان فهم النظريات والفلسفة الإنسانية و حتى الدين ايضا انما يعكس مدى الثقاقة وتجدرها في نفس المتلقي وقدرته على الفهم والاستيعاب لما بقرائه , فالبعض مثلا يصر الاخذ من القران الكريم ما يحلو لة او مايريد هو فهمة او ما قد يتناسب مع مصلحته احيانا, ويترك الباقي وقد ذكرهم الله في كثير من الايات بقولة تعالى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }البقرة85
وحيث انني اجد نفسي ضعيفا وحساسا فيما يخص الامور الفقهية الذي لا تقبل الخطاء في الفهم فدعوني اذهب الى وضع مقارنة في تأ ثير البيئة على الفهم الثقافي كمقارنة للاختلاف في العقل البشري بحسب موروثة الثقافي في فهم وتفسير قول البشر الذي يحق لنا النقاش فية فدعونا نرئ عمق الفهم عند الثقافتين الشمالية والجنوبية لمعنى الفلسفة الميكافيلية على سبيل المثال .
ان الواقع اثبت بان النظام الحاكم في اليمن لم يأخد من ا لميكافيلية سوى تطبيق خالي من الفهم لمقولة ميكافيلي الشهيرة في كتابة الاميرالكتاب الذي لم يقراءة قادة العالم سواء من فلسفة ميكافيلي ( الغاية تبرر الوسيلة) وهو فهم سطحي للمقولة فهمها البعض على انها تبيح كل الافعال القدرة للوصول الى الهدف وهو فهم لايرى في الدين ايضا سوى وسيلة رخيصة للاستيلاء على السلطة والاحتفاط بها لصالح فئة من الناس على حساب الغالبية الساحقة من الجماهير وقد حولت تقافتهم المريضة الفلسفة الميكافيلية الذي حملت شعار الحفاظ على توحد ايطاليا الى شعار لاباحة كل ماحرم الله وتدمير كل الاخلاق والقيم الذي اكتسبتها الانسانية عبر مراحلها التاريخية , فحولت الحياة السياسية الى حياة عديمة الاخلاق وواجهة للنفاق والكسب الرخيص وحيث ان ثقافتهم المستمدة من القرون الوسطى لاتقرائة ما بين السطور فلم يتسنى لهم سوى التطبيق الاعمى للمقولة غير مدركين ان الواقع الديني يحرم العمل بهذة المقولة كمقولة مجردة. باختصار جعلوا من ميكافيلي فيلسوف //////////////////////////////..
بينما ثقافة التنوع الذي اشار لها الرئيس في عدن والجنوب كمنارة تقافية للمنطقة قد فهمت الميكافيلية في الحفاظ على الوحدة بمعناها الجوهري والحقيقي وقدمت نموذج واقعي وانصافا حقيقيا لمعنى الميكافيلية وذلك من خلال التضحية من اجل الحفاظ على نواة الوحدة القومية والاسلامية وانتصرت للميكافيلية بمفهومها الحقيقي الداعية لوحدة وطنية متينة اساسها الاخلاق والعدل والتكافوء في الحقوق والواجبات و الذي يعتبر صاحبها احد مفكري ورواد التنوير في اوروبا وكذا صاحب اكبر مدرسة للعلوم السياسية والتحليلية ولم يكن يوما بلا اخلاق او متدحبشا ولم يقصد بمقولتة الشهيرة ( الغاية تبرر الوسيلة) التي فهمها الطواغيت خطاء وحسب رغباتهم فهو لم يوصي بهدة المقولة باحتلال الدول وقهر الشعوب ولا استباحة الحقوق والاخلاق فمن هنا يتضح البعد الثقافي الذي يفصلنا عنهم يتمثل في الاخلاق السياسية والادبية الذي يلتزم بها قادتنا في احاديثهم واحترامهم للعهود والمواثيق وايضا احترامهم لعقول ابناء شعبهم وانفسهم فسقط المفوض امام صلابة الثقافة الجنوبية.
الرئيس كسب الكثير في المقابلة وذلك من منظوري الشخصي ويكفي انة انتصر للثقافة والاخلاق الجنوبية واعطى نموذج مشرف للشخصية القومية المؤمنة بالواقع والتغير الحضاري وظروف العصر الذي نعيش فية وظل رمز من رموز القومية العربيةالحقيقية والذي لم يكن يوما دخيلا عليها رغم انف المفوض.
ولعل خير ما اختم بة مقالي المتواضع ابيات مهداة للرئيس البيض من قصيدة لاتصالح للشاعر الراحل امل دنقل يقول فيها
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح لا تصالح
جامعة بريج سويسرا