عرض مشاركة واحدة
قديم 10-29-2009, 06:53 PM   #3
قحوطه
حال جديد

افتراضي

ثانيا:التعايش المذهبي والطائفي (عنصرية وانتقائية)



إن تحديد اتساع هذا الجانب أو انحساره في المجتمع الوهابي ومظاهر التغير فيه ليس بالأمر الهين بالنسبة لمن ينظر من منظور جد بعيد، وذلك لأنه يحتاج في مصداقية الحكم عليه إلى أن يكون بحثا ميدانيا يباشره الباحث على الأرضية التي يوجد فيها هذا المركب الاجتماعي. وبدون هذا الإجراء فسيكون حكمه مجرد استقراء جد ناقص للموضوع والسبب في هذا التلبد الحائل دون إدراك الحقيقة هو ما يبدو في بعض كتابات علماء نجد من تراجع أو تبرؤ مما ينسب إليهم من اتهامات في هذا الجانب.

وقبل الشروع في إبداء النظر حول مدى التغير الذي حصل في هذا المجال، لابد من إعطاء نظرة موجزة عن حالة المذاهب الغالبة على الرقعة التي يتواجد فوقها المذهب الوهابي وخاصة في أهم منطقة منها، وهي الإحساء وما جاورها، فرغم أن كل سكان المنطقة يعتبرون مسلمين إلا أنهم يختلفون مذهبا، وأهم تلك المذاهب التي تحتل الصدارة هما : المذهب السلفي ويقصد به الحنابلة، والمذهب الشيعي الذي كان يمثل الأغلبية الساحقة في بعض المناطق دون الأخرى[17]. فكما يقول لويمر أن نسبة الشيعة في الهفوف كانت تساوي ثلاثة أسباع 3/7 السكان، وفي القطيف يشكلون الأكثرية الساحقة، ويعزي تكاثر الشيعة في هذه المناطق خصوصا وانحسار نسبتهم في مناطق أخرى عدى اليمن إلى قرب اتصال السكان بإخوانهم في المذهب والمتمركزين في كل من البحرين والعراق وإيران، البلدان المجاورة للإحساء[18] والمجامع الأساسية لأصحاب المذاهب الشيعية.

هذا ولم تكن علاقة الشيعة في هذه الأقاليم بالوهابيين وحتى العثمانيين، علاقة وطيدة، ذلك أن كلا من الوهابيين والعثمانيين كانوا يأخذون بمذهب السلفية أو أهل السنة. فكانوا ينظرون إلى الشيعة نظرة المرتاب في أمره وولائه، لغاية أن الحكومات الوهابية (السعودية) المتعاقبة كانت تأخذ ضريبة سنوية إضافية من الشيعة وذلك لتمويل الحملات العسكرية بما يلزمها. والسبب في ذلك عدم اعتمادهم عليهم كجنود في حروبهم[19]، فكانت هذه الضريبة بمثابة الجزية التي يفرضها المسلمون على الذميين إن صحت المقارنة!.

ثم إن هذا التشدد نحو الشيعة لم يكن ليقتصر على هذا الحد بل كان يصل إلى استباحة دمائهم، واعتبارهم من أهل الكفر والمروق، وقد يبين لنا هذا الوضع ابن بشر بقوله: " وسار سعود بالجيوش المنصورة، والخيل العتاق المشهورة، من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك، وقصدوا أرض كربلاء، ونازل أهل بلد الحسن، وذلك في ذي القعدة فحشد عليها المسلمون وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة، وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت، وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين، وأخذوا ما في القبة وما حولها وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من الأموال والسلاح، واللباس والفرش والذهب، والفضة والمصاحف الثمينة أو غير ذلك مما يعجز عنه الحصر"[20].

ثم يقول في نص آخر :

" وفي هذه السنة تمالأ صالح بن النجار وعلي بن سلطان الحبيلي ورجال من رؤساء الاحساء فأجمعوا على نقض عهد الإمام عبد العزيز ومحاربة المسلمين".

والذي يلفت النظر في هذين النصين هو استعمال كلمة : - المسلمون- بالنسبة للوهابيين خصوصا، وهذا ما يشير إلى نظرتهم المتشددة للمخالفين
وخاصة الشيعة الذين اشتدت النقمة عليهم من طرف الإخوان الوهابيين لغاية أن اعتبروهم كفرة تصريحا. وينبغي لهم أن يبايعوا من جديد على الإسلام وأن يمنعوا من ممارسة شعائرهم الدينية في الحسينيات، ويجب إجبارهم على الصلاة في مساجد السنة، بل أخذوا يتسورون عليهم بيوتهم ويقتلون منهم الكثير في إقليم الإحساء[21].

وقد أوردوا فتاوى في الشيعة والرافضة منهم خاصة ما نصها: " وأما الرافضة فأفتينا الإمام أن يلزمهم البيعة على الإسلام، ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل، وعلى الإمام أيضا أن يلزم نائبه على الإحساء، أن يحضرهم عند الشيخ ابن بشر ويبايعوه على دين الله ورسوله وترك دعاء الصالحين من أهل البيت وغيرهم وعلى ترك سائر البدع...! ومن أبى قبول ما ذكر ينفى من بلاد المسلمين[22]". وتعتبر المذهبية في مجتمع الإحساء من أهم العوامل في عدم تجانس وتكيف المجتمع هناك! لأن النعرة المذهبية أصبحت منبعا للحزازات والعنصريات مما كان له بالغ الأثر على الكيان الاجتماعي والحركات الاقتصادية في هذه المنطقة[23].

ورغم هذا الاضطهاد البارز للشيعة من طرف الوهابيين المعروفين بالإخوان، فقد بقيت خلايا شيعية تعشش في الوسط الوهابي، وإن كانت نسبتها تقل عما كانت عليه قبل، بحيث أنه مازالت توجد مدارس ومساجد خاصة بأصحاب المذهب الشيعي في إقليم الإحساء، تسمى بـ"الحسينيات"، إذ تلقى فيها الدروس وتقام بها العوائد الشيعية ويؤخذ الفقه الشيعي[24].

وقد تلا الشيعة في هذه المضايقة والتعنت المذهبي أهل التصوف، لكن هؤلاء الأخيرين لم يكن الأمر معهم ليصل إلى درجة العلاقة بالشيعة لأن أغلب العراك الذي كان يقوم مع بعضهم ليس إلا عراكا فكريا كلاميا أكثر منه استفزازا سلطويا أو عسكريا، وذلك لأن طبيعة أهل التصوف لا تدعو إلى التحدي وإشهار الأسلحة في وجه الخصوم ابتداء وبدون مقدمات للدعوة بالتي هي أحسن. كما أنه أيضا حسب ما يظهر لي أن الوهابية تقر التصوف بوجه من الوجوه، بل تثني على أقطابه وتعترف بإمامتهم واستقامتهم وهي بذلك تسير نحوهم على ما سار عليه ابن تيمية من تكفير البعض والاعتراف بولاية البعض الآخر، فنرى ابن عبد الوهاب يصرح فيقول :

" ولا ننكر كرامات الأولياء، ونعترف لهم بالحق وأنهم على هدى من ربهم مهما ساروا على الطريقة الشرعية إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أنواع العبادات، لا حال الحياة ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء، بل ومن كل مسلم، فقد جاء في الحديث : " دعاء المسلم مستجاب لأخيه" الحديث. وأمر - صلى الله عليه وسلم - عمر وعليا بسؤال الاستغفار من أويس ففعلا[25]. كما نرى عبد العزيز بن محمد بن سعود في رسالته :

"الدعوة وأصولها" حول موضوع : زيارة قبره صلى الله عليه وسلم والنهي عن اتخاذ القبور مساجد. يقول : " وإذا جاء السفر المشروع لقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه دخلت زيارة القبر تبعا لأنها غير مقصودة استقلالا، وحينئذ فالزيارة مشروعة مجمع على استحبابها بشرط عدم فعل محظور عند القبر كما تقدم عن مالك، وما حكاه الغزالي رحمه الله، ومن وافقه من متأخري الفقهاء من زيارة القبر"[26].

والملاحظ في هذا النص استعراض اسم أحد أقطاب الصوفية بترحم وهذا ما يطابق اعتراف محمد بن عبد الوهاب بأحوال الصوفية وما يرد عنهم من أخبار كما رأينا الشيء الذي يبين لنا نوعا من التقارب الشكلي والإستدراجي بين الوهابية وأهل التصوف السنيين على الخصوص وليس المبتدعين أو الدخيلين عليه كما يزعمون!. ولئن كان قد أعلن في أول دعوته أنه لا يدعو إلى مذهب صوفي أو غيره[27] فهو بذلك يقصد أنه لا يريد إضافة لقب جديد إلى الساحة الإسلامية، يوهم بخصوصية مذهب دون آخر، والذي كان يتحاشاه قد وقع له ولأتباعه بحيث أصبحوا يلقبون بالوهابيين، وإن كانوا لا يرضون هذا!.

وحسب ما يبدو أنه لا زالت كثير من الاستفزازات تصدر من حين لآخر ضد أهل التصوف في آرائهم والتهجم عليها، لحد أن السلطة تتدخل للانتصار لعلمائها ومنظريها ضد من يتبنون المبادىء الصوفية.
والغالب على طابع هذا النزاع التعرض لمسائل حيثية ليست ذات عمق جوهري في العقيدة أو الشريعة كما كان الشأن مع الشيعة، كمسألة إحياء ذكرى المولد النبوي، ومناداة الرسول صلى الله عليه وسلم بسيدنا، والتوسل ومفهوم السنة والبدعة...الخ[28] فكان الأولى بالعلماء الوهابيين أن يطووا الصفحة عن مثل هذه المنازعات التي لا يمكن الحكم عليها بصفة قطعية إلا بالإدراك الشامل لمقاصد منتحليها وهو الشيء الذي يرد به عليهم أهل التصوف ومن في اتجاههم. وكيف ينسب الانحراف العقدي إلى رجالات التصوف وهم الذين قد بلغوا الذروة في التنزيه لله كما يقولون، اقتطف نصا من نصوصهم في هذا الأمر وهو حكمة من حكم ابن عطاء الله السكندري يقول فيها عن صفات الله سبحانه وتعالى ما يلي :

" كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء، كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء، كيف يتصور أن يحجبه شيء وهوالذي ظهر لكل شيء، كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء، كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود كل شيء، يا عجبا كيف يظهر الوجود في العدم أم كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم"[29].
[SIZE="7"]
إن من يصف هؤلاء الصوفية بالقبوريين وعباد الأضرحة لهو من الغباء والإسقاط بعينه وأتحدى كل وهابي ومتسلف أن يثبت باللفظ وحكم الشريعة الظاهر أن أحدا من الأمة ولو كان أميا يعبد صاحب قبر أويؤلهه لحد اعتباره مشركا كالوثنيين،خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد برأ أمته من ظاهرة الشرك المطلق الحسي والوثني أومعاودتها لساحتها حينما قال في الحديث الصحيح" وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها" -أي الدنيا-[30]فكان كل تشريك أو تكفير لأهل القبلتين هو بدعة البدع وضلالة الضلال والعياذ بالله.[/SIZE]و
حتى لو صدر من بعض السفهاء أقوال واعتقادات مخالفة لجوهر التوحيد في الأمة وهذا الناذر جدا فذلك ليس سوى شذوذ أو نوع زندقة قد يحاربها الصوفية والفقهاء والمتكلمون معا وعلى حد سواء وهي لا تمثل في أي مذهب أو طائفة مسلمة سوى نقطة ضالة سوداء سقطت من خارج الإناء في ثنايا اللبن الصافي والمغذي.بحيث قد لا تقدر هذه النقطة السوداء أن تغير حقيقة اللبن وقيمته الغذائية أو تنفر شاربه إلا بالنسبة للموسوسين وأصحاب الأمراض الانعكاسية المترهلة ،أما الأصحاء كما يقول أبو حامد الغزالي فلا ينبغي أن يعافوا من العسل لوجودها في محجمة الحجام.

إضافة إلى هذا فمفهوم الشرك قد يعني اعتبار الندية في كل شيء وتسمية المعبود بالإله ،وهذا ما لم يرد ولا ينبغي أن يتصور في أوضع رجل من المسلمين فما بالك بأهل المعرفة والعلم والذكر الكثير بل أقصى ما يذهب إليه العامة من الناس في اعتقادهم برجال التصوف والصالحين ووصفهم لهم أنهم أولياء لله تعالى ومن أحبهم فقد أحبه الله تعالى ،وهذا اعتقاد شريف ومشروع وهو مسلك مضاد لمن عاداهم فقد عاداه الله تعالى كما في الحديث القدسين، وهو مسلك الوهابية في محاربتهم وتهديمهم لأضرحة الأولياء التي هي معالم ورموز في توحيد الأمة ووصل خلفها بسلفها وصلا روحيا وأخلاقيا قد نص عليه القرآن نفسه في سورة الكهف حيث يقول الله تعالى عنهم :"قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا"وفي هذه الآية دلالتان وهما:أ- أن غالبية الناس لهم حب وتعلق بالأولياء ب- أن قرارهم في البناء ليس من مسؤولية هؤلاء الأولياء ،كما أن القرآن لم يعقب بالسلب على هؤلاء المتغلبين الذين أبوا إلا أن يخلدوا ذكرى أهل الكهف لتصبح قبورهم مزارا وعبرة ومعلمة للتفكر والأسوة الحسنة ،وهذا ما لم يرد أن يفهمه الوهابية وبيادقها في البلدان العربية والإسلامية .

وحتى ما يتذرع به الوهابية من وصف الصوفية بالقبوريين تعسفا فهذا إسقاط محض وتضليل وقلب للحقيقة ،إذ ليس الصوفية من هم الذين يتمسحون بالقبور وإنما العامة هم من يتمسحون بقبور الصوفية لاعتقادهم فيهم الصلاح والولاية ،والتمسح نفسه أو المناجاة ليست شركا وتقبيل القبر أيضا ليس عبادة وإنما هو تعبير عن المحبة والتقدير ليس إلا ،وإلا فقد نشرك كل من يقبل شخصا أو رسالة أو حتى زوجة بزعم أن هذا شرك وضلال وتمسح ،وهذه سخافة من نموذج سخافة نكتة الطويل اللحية الذي أحرق نفسه بنفسه لغباوته
كما رأينا في مقال سابق. وفي هذا مصادرة للنوايا وتضييق على الوجدان والمشاعر مما يعني موت عنصر المحبة في الأمة وتعويضه بالهرج والكراهية الشاملة وهذا ما يحاربه الصوفية في مذهبهم الذوقي والروحي المتسامي حول الحب الإلهي الذي يقتضي محبة خلقه والرفق بهم وتيسير الدين لهم وفتح الأعذار لهم والتواضع في التعامل معهم.

ولقد أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" المرء مع من أحب"و"من أحب شيئا أكثر من ذكره"والصوفية قد يعتبرون من أكثر أهل الأمة ذكرا لله تعالى وتوحيدا له باللسان والجنان،وأتحدى أيضا كل وهابي أو متسلف أن يجاري مثل الصوفية ولو أبسطهم في تكرار كلمة "لا إله إلا الله "بالعدد الذي يذكر به الصوفي والمتصوف معا، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال :"جددوا إيمانكم ،قالوا كيف نجدد إيماننا يا رسول الله؟قال :أكثروا من قول :لا إله إلا الله" وأيضا"لكل شيء جلاء وجلاء القلوب ذكر الله"وهذا يكفي للدلالة على أن الصوفية هم السابقون في مجال توحيد الله تعالى وإفراده بالاعتقاد لسانا وجنانا.وهو ما عبر عنه الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه المنقذ من الضلال حيث قال:" وبالجملة ماذا يقول القائلون في طريق طهارتها وهو أول شروطها تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى،ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراق القلب بالكلية بذكر الله،وآخرها الفناء بالكلية في الله،وهذا آخرها بالإضافة إلى مالا يكاد يدخل تحت الاختيار والكسب من أوائلها وهي على التحقيق أول الطريقة"[31].

فالذاكر بالنسبة لغير الذاكر كالحي للميت وهو ما نص عليه الحديث النبوي الشريف المتفق عليه:"مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".ومن هنا ففي نظرنا أن أموات الصوفية خير من أحياء الوهابية الجامدين وميتي القلوب ومسلوبي الأحوال ،ولقد شبه شيخهم ابن تيمية زعيم السلفية التاريخية من لا حياة روحية له ولا حال يطرأ عليه أو حينما لا يخشع ولا يقشعر جلده أو تدمع عيناه من ذكر الله تعالى بأن هؤلاء فيهم شبه من اليهود لقساوة قلوبهم وصلافة أذهانهم !!!.

ومن هنا فإذا ناجى أو خاطب الأحياء من هذه الأمة أمواتهم من نموذج هؤلاء الذاكرين وتواصلوا معهم وهم في قبورهم على شكل توسل أو استئناس فليس في ذلك شرك أو بدعة أو تأليه وإنما هو تواصل واعتراف بفضل السابقين الأحياء في قبورهم على الأحياء في دنياهم وظواهرهم،وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قتلى بدر من الكفار وأثبت لهم سمعا ووعيا لما يخاطبهم به ،كما أنه قد ناجى أمه عند قبرها وبكى حتى أبكى معه ألف مقنع بالحديد كما في السيرة النبوية وخاصة كتاب "الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم"لابن كثير،وقد يناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلى عليه ويرد السلام على أمته لأنه حي عند ربه يرزق وذلك من باب التعبير عن الحب والتعلق بالفضيلة التي تتمتع بها روحه واستلهام أنوارها وعبيق عطرها الشجي والزاهر،وهذا ما يشعر به الذاكرون وأحياء القلوب ،أما الجمداء فلا يرون في النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أولياء هذه الأمة وفضلائها سوى اللحد والتراب والقطيعة النهائية ،ناسين أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى لما أراد المعتزلة تعذيبه بسبب فتنة خلق القرآن وحاولوا خلع ثيابه قد امتثل لهذا المصاب إلا أنه رفض خلع صرة صغيرة كانت تحت إبطه فلما استفسر عنها قال بأنها شعيرات لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتفظ بها تبركا وتواصلا روحيا به صلى الله عليه وسلم،والرسول في حكم الميت روحا وجسدا عند الوهابية فكيف بهذا الإمام الجليل يحتفظ بشعيرات ميت أوليس هذا شركا بحسب المقاييس الجامدة للوهابية وإسقاطاتهم البدعية والشركية حول تواصل الأحياء في الظاهر الدنيوي مع الأحياء في العالم الأخروي الروحي؟ ،ويكفينا في رفض مثل هاته المواقف الروحية والوجدانية موتا معنويا ورثته الوهابية للأمة لقتل روحها ووجدانها ،بل حتى أجسادها بزعم حماية التوحيد وعقيدة السلف المتسلف.
[SIZE="7"]
ولقد لوحظ أخيرا في الزمن القريب نوع من التخفيف الشكلي والتمويهي في حدة الاستفزازات المذهبية والغلظة في أسلوب الدعوة التي كانت تصدر من بعض فاقدي الأهلية لها، ويظهر هذا الاعتدال عند المسئولين السياسيين بالخصوص، الشيء الذي استنفر بعض مدعي العلم من الوهابيين للتهجم على بعض أولئك المسؤولين أنفسهم[32] واتهامهم بالتقصير في حق الدعوة إلى التوحيد حسب تصورهم!.[/SIZE]


وكان من أبرز ما صدر في موضوع الدعوة بالتي هي أحسن وعدم الاستفزاز والإكراه للآخرين هو خطاب الملك فهد بمناسبة عرض الميزانية المالية لعام 1404 – 1405 ما مقتطفه : " فمثلا لو جئت إنسانا يسير بجانب المسجد والصلاة تقام فيه فقلت له مثلا الصلاة تقام، لماذا لا تدخل المسجد وتصلي فيه؟ " اللي فيك يخطيك" أو تكلمت كلاما عنيفا، فإنه قد ينفر منك وقد يرد عليك بنفس الأسلوب ويقول كلاما غير لائق، وقد يصل به الأمر أن يرفض دخول المسجد، لكنك لو أمرته بالمعروف وقلت له كلاما لطيفا وبالحسنى كأن تسأله عما إذا كان متوضئا، فإن الصلاة تقام ومن مصلحته أن يدخل المسجد... أصبح التفكير الآن يقيم بالسماع والقراءة والكلمة والإقناع بالمنطق وبالمعقول والتمسك بالعقيدة الإسلامية"[33] التي تعني العقيدة السلفية في المفهوم الوهابي بطبيعة الحال ...

ومثل هذه اللهجة ينذر صدورها ممن سبق، وخاصة في العهد الوهابي الأول، الشيء الذي يبين لنا تلون الحزازات المذهبية لدى الأطر المتزعمة للحركة الوهابية في لباسها الفكري والسياسي حاليا، وهي لهجة ذات بعد سياسي في الراجح وتهدف إلى الحيلولة دون حصول الاضطرابات الداخلية التي قد تؤدي إليها الصراعات المذهبية والمجادلات التي باتت لائحة في الأفق الاجتماعي الوهابي، بسبب ما أخذ يظهر من اختراق لحدود الشريعة الإسلامية ظاهريا وللمذهب الحنبلي المتشدد خصوصا من طرف المغتربين والمستلبين من أفراد المجتمع الوهابي الذين تأثروا كثيرا بطغيان المال وزئبقية الحضارة الغربية المغرية وسلوك تجارة القنوات وإعلام الإغراءات. مما تسبب عنه انشطارية في المجتمع : فئة محافظة ومتشددة, وفئة متميعة ومستلبة...
  رد مع اقتباس