عرض مشاركة واحدة
قديم 11-07-2009, 02:05 PM   #3
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


الساعة السليمانية .. مؤشر العد التنازلي باتجاه الهلاك
القات إفساد للعقول وإفلاس للجيوب ومعول هدم في بنيان المجتمع


2009/11/7 المكلا اليوم / دراسة أعدتها / منال طاهر القدسي

في اليمن ساعة لا مثيل لها في العالم ... ليست سويسرية ولا تقنية يابانية ...هي ساعة من صنع خيال وإلهام مولعي صممها في لحظات تجل ..محركها أوراق القات وعقاربها عيدانه .. تسير بنا على اتجاه معاكس نحو الصفر .. إنها الساعة السليمانية .. مؤشر العد التنازلي باتجاه الهلاك




لم يعد تعاطي القات ظاهرة اجتماعية بقدر ما تحولت إلى مشكلة مزمنة يعاني من تداعياتها الوخيمة المجتمع اليمني، حيث يدمن على تعاطيه ملايين من الناس بنسبة تصل إلى 80%، حسبما تشير معظم الدراسات التي اتفقت على أخطار القات الصحية والاجتماعية والنفسية، بالإضافة إلى آثره على المحاصيل الزراعية وتأثير المبيدات المستخدمة لإنضاج أوراق الشجرة على سلامة البيئة والتربة، واستنزاف مزارعي القات للمياه بكميات هائلة.

ويعتبر بعض الكتاب المحسوبين على شريحة المثقفين أن شجره القات تمنحهم الطاقة والقدرة على الكتابة، ويربطون بينها وبين الإبداع، متوهمين بأن تعاطي القات يوفر المساحة الواسعة للتأمل وإفساح المجال لتبادل الآراء والنقاش مما يصب في بوتقة تغذية هاجس الكتابة ... ويرى البعض أن شجرة القات تساهم في تأجيج الحراك الفكري والثقافي من خلال مجالس تعاطيه التي يغلب عليها طابع الدواوين .. بيد أن غالبية الطبقة المثقفة تفند كل الآراء السابقة والخزعبلات المطروحة عن فوائد القات، ويعتبرونها مجرد تبريرات واهية تدخل في إطار التفنن في خداع النفس، والتضليل وتشويه وجه الحقيقة.

لماذا يمضغ القات؟!


عند طرحي هذا السؤال على بعض ممن يمكن أن نطلق عليهم صفة أنصاف المتعلمين والعمال، علل نفر منهم أن القات يساعدهم على الانجاز والعمل وذكر آخرون انه يلجئ إلى القات لسد أوقات الفراغ، أو بحثاً عن طوق للهروب من ضغوط الحياة وهمومها، ومنهم من أكد انه لا يجد راحته اليومية إلا في تناول القات، الذي يوفر فرص الاجتماع واللقاء بالأصدقاء والأقارب من خلال مجالسه المعتادة، ووجدنا من يصرخ في وجوهنا ويقول بعلو صوته (( يا جماعة بطلوا هدار واهجعوا أصلا ً أنا مدمن على القات ))

هذه أراء من التقيتهم، والحقيقة عندما نفتش ونفكر في كل محتواها العام نجدها غير مقنعة على الإطلاق، فأن أحدث القات نوعا من النشاط الذهني والجسدي فانه مؤقت يتبعه فتور وخمول .. ومن يرى أن القات هو الحل للتخلص من ضغوط الحياة وهمومها فهو كالغارق الذي يتعلق بقشه، أو الفار من مواجهة الواقع، فبعد (( النجعة )) أي إخراج القات من الفم تتضاعف همومه وأحزانه، وتزوع عيناه، ويمتقع وجهة ويصاب بما يشبه البلادة في الفكر والإحساس. ومن يعتقد أن القات يوفر فرص الالتقاء وجمع الشمل، فبدورنا لم نسمع عن شخص طرد من مجلس لأنه لا يمضغ القات، وأن كان لا يحبذا وجوده أو تواجده في معشر كلهم مخزنين.

القات بين التحريم والإجازة:

العديد من علماء ومشائخ السلفية اعتبروا القات من الخبائث الواجب تحريمها لما يلحقه من ضرر على الإنسان في مختلف الجوانب ولتسببه المباشر في إضاعة الصلوات والتقصير في العبادات، فحرموا تناوله، وفي مقدمتهم الشيخ ((محمد الإمام )) الذي اصدر كتابا تحت عنوان ( تحذير أهل الإيمان من تعاطي القات والشمه والدخان )وباستثناء بعض مشائخ الصوفية والذين يعتبرون القات احد ركائز حلقات الذكر والعلم . لم يتفق المؤرخون على تاريخ دخول شجرة القات إلى اليمن، فالبعض يرجح زمن دخوله النبتة إلى اليمن في القرن السادس الميلادي مع حملة الأحباش سنة 525ميلادي وقبل ظهور الإسلام، ويجمع معظم الباحثين أن الموطن الأصلي لشجرة القات هو الحبشة، ويذهب بعضهم إلى الاعتقاد أن القات يمكن أن يكون دخل إلى اليمن خلال القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد انتشار الإسلام في المرتفعات الحبشية، بفضل الدعاة المسلمين القادمين إلى البلاد , حيث استجلبه هؤلاء الدعاة معهم عند عودتهم إلى اليمن مع أن معظم الباحثين لم يستدلوا على وجود شجرة القات في اليمن قبل القرن الحادي عشر لعدم ذكرها في كثير من الكتب التاريخية لمؤلفين قبل ذلك التاريخ.

ويرجح البعض سبب عدم ذكر القات في مؤلفات الكتب القديمة إلى محدودية انتشاره وندرة تعاطيه و وجودة في تلك الفترة من الزمن حيث اخذ ينتشر ببطء عبر قرون عديدة من الزمن.


ولقد روي أن أول استعمال للقات كان في أوساط الفرق الصوفية في شمال الوطن، حيث سمي عند بعض جماعاتهم بـ(( إكسير الحياة )) أو( بقوت الصالحين )، وكذا تناولته الطبقات العليا حيث انتشر شعر القات خاصة في عصر الإمام (( شرف الدين )) الذي حرمه عام 950 هـ وكما يقول المؤرخ (( يحي بن الحسين )) كانت تلك الفترة البداية الحقيقية لانتشار القات، بحيث لم تتناوله الطبقات الأدنى معيشة، لارتفاع أسعاره، فقد كان محصورا بين فئة معينة من ذوي الدخل المرتفع والفرق الصوفية أبان فترة حكم الإمامة في شمال الوطن.

ويذكر المؤرخين أن الإمام يحي أمر بزيادة الأراضي المزروعة بأشجار القات، مما أدى إلى الإقبال عليه بشكل كبير، لانخفاض قيمته.

جذور القات:

شجرة القات لا توجد في اليمن فقط، حيث تزرع وتتداول في دول شرق إفريقيا والحبشة وكينيا والصومال وغيرها من الدول، إلا أنها لا تشكل عبئا اقتصاديا على مجتمعات تلك الدول لمحدودية متعاطيها، الذين تبرز من ضمن شرائحهم الجاليات اليمنية المهاجرة في تلك الدول.

أما في اليمن فيشكل القات عبئا اقتصاديا كبيراً بسبب انتشاره الواسع، وكثرة متعاطيه الذين تقدر نسبتهم بأكثر من 60% من السكان.

ويحذر أطباء الأمراض النفسية والعصبية أن الإدمان في مضغ القات وتعاطيه المستمر، قد يسبب حدوث اضطرابات نفسية خصوصا عند من يمتلكون الاستعدادات الوراثية للإصابة بذلك النوع من الاضطرابات.

ولعل (( الشزفرينيا )) أو ما يعرف بالانفصام في الشخصية هو المرض النفسي الذي يقع فيه بعض ماضغي القات، ممن توفرت لديهم الظروف الاجتماعية والعادات السيئة والاستعدادات الوراثية التي تختصر الطريق للوقوع في براثن هذا المرض.

ويؤكد الأطباء أن مضغ القات أثناء فترة العلاج النفسي يتعارض مع مفعول الأدوية الخاصة بالمرضى النفسانيون مما يسبب انتكاسات خطيرة قد تحولهم إلى مرضى عقليين.

كما أن تعاطي القات قد يقود بعض الشباب إلى إدمان مصاحب، كالإدمان على التدخين بأنواعه المختلفة والإدمان على العقاقير المهدئة كالدزبام أو البرامول وغيرها، وكل هذا العوامل قد تجتمع لخلق شخصية تعاني من المرض النفسي أو تحترف طريق الجريمة وقد تلجئ في نهاية المطاف إلى الانتحار.

القات شجرة تورق بـ(السم):

وشجرة القات لا تورق سريعا إلا (بسم) يرش عليها صيفا أو شتاء وتزيد كمية السموم المستخدمة في القات في فصل الشتاء بسبب انخفاض درجة الحرارة وقلة الأمطار؛ الأمر الذي دفع غالبية مزارعي القات لاستخدام كافة أنواع المبيدات الحشرية وخلطها أحيانا لرشها على أشجاره ليحظى المزارع بقطفة سريعة دون أن يراعي فترة الامان للمبيد الحشري، والذي يقدره خبراء الزراعة بفترة أسبوعين على أقل تقدير، فكل ما يهم مزارعو القات هو انتعاش جيوبهم من أموال موالعه يأكلون الأخضر والمسموم .. وكلما زادت لمعة القات تضاعف سعره وتعاظم الإقبال علية ليباع أحيانا بالمزاد العلني في حلقات مزدحمة داخل الأسواق المفتوحة التي انتشرت كخلايا سرطانية في مدننا الآمنة وقرانا الوديعة. والنتيجة في معظم الأحيان نسمعها من حين إلى آخر بان فلانا من الناس كان آخر شيء تناوله تخزينه قات على إثرها وافته المنية والأعمار بيد الله.

قائمة بمبيدات محظورة:

بين الحين والآخر نسمع عن إجراءات وهمية تتبعها الحكومة التي تعلن بين فنية وأخرى عن عزمها في متابعة ومعاقبة المخالفين من المتاجرين بالمبيدات الحشرية المحظورة وللعلم فقد أصدرت الحكومة قائمة شملت على ((335)) ماده من المبيدات الخطرة بموجب قوائم المنظمات الدولية الخاصة بالمبيدات الخطرة المقيدة والممنوعة مثل القائمة المشتركة لمنظمة الصحة العالمية وقائمة الوكالة الأمريكية لحماية البيئة وقائمة مركز أبحاث السرطان وغيرها من القوائم الدولية الأخرى.

كما أضافت وزارة الزراعة والري المبيدات المستخدمة في محصول القات المعروف بـ (مربى الأغصان ) وأدرجتها ضمن قائمة المبيدات الممنوع تداولها في اليمن وهي تمثل حوالي 50% من إجمالي المبيدات المستوردة سنويا ، ويستخدم في القات حوالي 70% من إجمالي المبيدات المستوردة سنويا.

وما يؤدي إلى ارتفاع كميات استخدام هذه المبيدات في القات عدم التزام مزارعيه بالتعليمات التي توضح طرائق استخدامه وفترة الأمان للمبيد فيتعرض متعاطي القات للخطر وكذلك المزارعون أنفسهم نتيجة تعاملهم المباشر مع المبيدات و الإقبال المتزايد على مبيدات القات بأنواعها، وقد شجع تفضيل بعضهم المبيدات الأرخص ثمنا، توسيع نشاط مهربي المبيدات الخطرة والممنوعة طمعا بالكسب السريع، حيث تباع هذه المبيدات في محلات معظمها لا تحمل تراخيص قانونية لمزاولة المهنة ويعمل فيها عمال ليس لهم علاقة بكيفية بيع وتداول هذه المبيدات.

وبين الوعود وخطاب التسويف بملاحقة ومعاقبة المتاجرين بالأنواع الممنوعة من المبيدات الحشرية ولهفة مزارعي القات لهذه المبيدات يستمر مسلسل إزهاق الأرواح البريئة التي ذنبها فقط تعاطي القات أو زراعته وجني محاصيل هذه الشجرة الشيطانية.

توعية فاشلة

وفي بلادنا، ما أكثر منظمات المجتمع المدني في بلادنا والتي أصبحت تتزاحم بها مدننا وترفع شعارات مختلفة مضمونها الأخذ بيد الشباب وتنمية المواهب والقدرات ومحاربة الظواهر السلبية، وعندما نفتش عن عدد المنظمات التي صبت اهتمامها حول مشكلة القات في اليمن نجد عدد محدود من الجمعيات التي ظل أداءها ضعيف ونتاجها صفر على الشمال.

أن توعية الناس من المواالعة والمخزنين قد لا يأتي بثماره المطلوبة وقد لا يحصد نجاحا ملحوظاً، والسبب في ذلك أن الموالعه يصعب عليه ترك عادة مضغ القات بحجج وأعذار قد يسردها عليك محاولا إقناعك بها مع علمه اليقين بضرر القات.

فلماذا لا يحظى موضوع القات في اليمن بنفس ما تحظى به حملات التطعيم والتحصين في وسائل الإعلام المختلفة؟ ولماذا لا تشمر سواعد المثقفين والإعلاميين بأقلامهم وبرامجهم للحديث عن أضرار القات وما يلحقه بالمجتمع من خسائر اقتصادية ونفسية وبشرية تفاديا لوقوع الأجيال القادمة في شرك مولعة القات، اقتداءً بنهج اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بالمكلا.

إن كنا نرغب بفعل ايجابي حقيقي ومؤثر فعلينا أن نركز التوجيه بالتوعية والإرشاد إلى طلاب وطالبات المدارس هذه الشريحة العريضة من المجتمع والتي تمثل قاعدة الهرم السكاني، والمهددة أكثر من غيرها بأخطار القات وتداعياته المآساوية.

البداية بحضرموت !

وإن كانت الحكومة جادة في توجيهاتها لتحقيق إصلاح اجتماعي واقتصادي شامل، فلتجعل موضوع التوعية بأضرار القات في مقدمة برامجها ولن يكون ذلك إلا بتضافر جهود كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، من خلال تنفيذ حملات للتوعية والإرشاد المستمر بأضرار القات وسبل اجتثاث النبتة من الجذور، وأدراجها في المناهج الدراسية وبرامج التثقيف الصحي والاجتماعي في وسائل الإعلام المختلفة ، بالإضافة إلى حظر تناول القات في مواقع العمل والمكاتب الحكومية وفرض عقوبات قاسية على المخالفين و منع تداول القات في عدد من المحافظات ولتكن حضرموت أنموذجا لأنها لا تزرع فيها شجرة القات،

ودخص أكذوبة دعم ضريبة القات لخزينة الدولة التي تعترض للنهب الذي يحدث من كثير من المقاولين المشرفين على جني هذه الضريبة من الميدان .. والحديث عن قلع شجرة القات واستبداله بزراعة نافعة قد يكون في الوقت الراهن حديثا ساذجا. فلن تجد على أرض اليمن قاطبة مزارعا سيعمل بهذه الفكرة وان اقتنع بها إلا لو صدر قرار سياسي بقلع شجرة القات وطبعا هذا لن يكون إلا في الحلم في الوقت الراهن، بحجة أن البعض يخشى من اندلاع ثورة مزارعي القات بالإضافة إلى انضمام العاملين ببيعه إلى طابور العاطلين عن العمل وانقطاع رزق كثير من الأسر التي تعتمد على زراعة القات أو المتاجرة به وبذلك نجد أن البلد في مأزق كبير فالاقتصاد اليمني لا يستفيد من زراعة القات وتجارته داخلية مقابل بروز زيارة مطردة في أسعار الحبوب والقمح المستورد وندرة الناتج المعلن من الحبوب بسبب هيمنة زراعة القات على معظم أراضي اليمن.

إن حل مشكلة القات في اليمن لن يأتي في يوم وليلة، بل يحتاج إلى وقت وجهد صادق من قبل الحكومة ومنظمات المجتمع المدني بالتأثير النفسي العقلي والتدريج حينها لن نجد للقات سوقا رائجة وسيعزف الكثير من المواالعة وغيرهم عن تناوله وسيضطر بائعو القات البحث عن عمل آخر بديل سواء وفرت الدولة لهم فرص عمل لهم أم لم توفرها , فالله يكفل عباده وحين يحل البوار على هذه الشجرة الخبيثة حينها سيقنع مزارعو القات أنها لم تعد تدر ذهبا وسيضطرون إلى قلعها واستبدالها بزراعة أكثر نفعا وفائدة لهم ولمجتمعهم ولوطنهم.
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس