في كلمات قليلة عبّرت عن هموم كثيرة وبعيدا عن محبّي الشعر العربي الفصيح وشعر النبط دعنا نتحدّث بإسهاب عن لغة القرآن.
لغة القرآن هي العربية الفصحى وبدونها لن نفهم غريب القرآن من المفردات ، فقد أورد الزمخشري رواية عن الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه، حيث سأل وهو على المنبر عن قوله تعالى } أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ { [النحل: 47] ، فقام إليه شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا ، التخوُّف التنقُّص. فسأله عمر: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال: نعم، قال الشاعر :
تَخَوَّف الرَّحْلُ منا تامِكًا قَرِدًا = كما تخوَّفَ عودَ النَّبْعَة السَّفِنُ
فقال عمر : أيها الناس، عليكم بديوانكم لا يضلُّ . فقالوا : وما ديواننا ؟
قال : شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم:
( الكشاف ـ الزمخشري 2 / 411. )
" هذه القصيدة لأحد شعراء هذيل يصف بها ناقته ويقول إنني قد وضعت القتبة على ظهر الناقة و أكثرت السفر بها حتى أن هذا الرحل او هذا القتب الذي على ظهر هذه الناقة قد بردها كما يصنع المبرد بالحديد فأنحى سنامها
قال :
تخوف الرحل منها: يعنى تنقص الرحل منها ،من هذه الناقة .
تامكا قرداً: التامك القرد هو السنام .
كما تخوف عود النبعة السفن: والسفن: هو المبرد.
فيقول القتب قد أنقص هذا السنام كما يصنع المبرد بالخشب .
فقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه :نعم الآن وصدقه في هذا القول الذي ذهب إليه وهو أن التخوف في القران الكريم بمعنى التنقص ، واستشهد عليه بشاهد جاهلي من شعر هذيل " .
قدم ابو عبيدة معمر بن المثنيمي البصري ( عالم من علماء التفسير واللغة ـ 110هـ ) إلى بغداد " فدار حديث عن قول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ( طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ
(65) الصافات ) وهي شجرة الزقوم قال ( طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) ) فقال سائل لأبي عبيدة ياأبي عبيدة إن العرب تشبِّه الشيء المجهول بالشيء المعلوم حتى يتضح الشيء المجهول ، فكيف يشبّه الله هنا شيئا مجهولاً بشيء مجهول ؟ يقول عن شجرة الزقوم التي طعام أهل النار والعياذ بالله ( طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) ) ونحن لم نرى الشيطان ولم نعرف كيف هو رأسه
فقال أبو عبيدة في جوابه على هذا السؤال أن العرب قد استقر في كلامها أن الشيطان قبيح المنظر وكذلك الغول ، فأصبحت تشبه به كل شيء قبيح فتقول هذا وجهه قبيح كوجه الشيطان وهذا رأسه قبيح كرأس الشيطان ،ثم استشهد له ببيت من قصيدة امرئ القيس اللامية المشهورة التي تكاد تتفوق على المعلقة في جودتها وفي جمالها وهي التي يقول في مطلعها :
ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي = وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي
وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ = قليل الهموم ما يَبيتُ بأوجالِ
ثم ذكر الشاهد الذي يستشهد به فقال :
أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي = وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ
فامرؤ القيس هنا قد شبه الرمح بناب الغول قال :
وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ قد تكون مقصود به الرمح وقد يكون مقصود به الأسهم التي معه .
إلا أن الشاهد انه شبّه هذه الأسهم أو هذا الرمح في حدّته بناب الغول مع أن العرب لاتعرف ناب الغول إلا أنه قد استقر في أذهانها أنه حاد أو انه وجهه قبيح ومثله وجه الشيطان أو ورأس الشيطان ولذلك جاء كلام الله سبحانه وتعالى في القرآن موافقا لكلام العرب وسننها في كلامها فقال: ((طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات ))
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الشعر النبطي جميل وقد تكون له الغلبة إنتشارا وذائقة ، ساعد في ذلك الإعلام إلا أن ذلك لا يمنع من فهمنا للقصيدة الفصحى .
شكرا أخي حمود النهدي