عرض مشاركة واحدة
قديم 04-23-2010, 10:17 PM   #1
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي جدّي طرحني في الحداب المقفره

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم علي الجرو [ مشاهدة المشاركة ]
من أجمل وأخطر أبيات للشاعر صلاح أحمد القعيطي:
جدّي طرحني في الحداب المقفرهْ = والنّفس ما خلّتني اسكن غيرها
ان عاد شي حيلة ياهل المعرفةْ =ولا خلطنا شرّها في خيرها
" جدّي طرحني في الحداب المقفرة "
يذكّرنا بقول أبي العلاء المعرّي : ( هذ ما جناه أبي ..... )

وجد نفسه في حيرة من أمره وهو في الأرض المقفرة ( العنين ) بين الرّحيل منها ابتعادا عن شرّ خطير محتمل قد ينجم نتيجة المشاكل بينه وبين جماعته وبين رغبة النفس في البقاء . قال البيتين يستشير أهل المعرفة في ايجاد مخرج من حيرته وتحديدا قصد الشّاعر: دحوم باجسير الذي ردّ عليه ببيتين كانا السبب في اتّخاذ قرار الهجرة من العنين إلى الهند .

عرف الشّاعر دحوم باجسير أنّ الرّجل أمام مفترق طرق ، فإمّا وأن يجد مخرج من حال الهمّ والضّيق أو يدخل معمعة الصراع مع أصحابه ويخلط خيرها بشرّها وربما يصل الأمر إلى الدّم ، فقال:
ياللي تروم المبعدة والمقربةْ= الهجن تأتي ركضها في سيرها
ان حد لحق له في بلاده مسكنة= ولا يحمّل عا الدّواسر ميرها
عاد صلاح أحمد إلى بيته واتّخذ القرار بالسّفر ليس رغبة في الهجرة بل ابتعاد عن مشاكل درس أبعادها ونتائجها إن هو بقي:
" ياللي تروم المبعدة والمقربةْ "

فأرسل على الفور رسوله إلى الجمّالة ويقال أنّه حفظ لدحوم باجسير جميل رأيه طول حياته .

الدلالة المهمّة:
النّزوع نحو الخير في بيئة كانت نزعة الشّر هي المسيطرة على القوم في حينه ، فكان الإقتتال والطّعان في فضّ المنازعات وما أكثرها على أرض قفراء لا تساوي قيمة بعير يذهب بسببها رجال ، ولكنه مستعد للشرّ إذا ما كان الخيار الوحيد:

" ولا خلطنا شرّها في خيرها "


هذه العقيد والفلسفة لازمته في شعره ذي النّزوع إلى الشّرف والتّسامي ، ولعلّ قوله الشهير:
كلّه وطنكم شبر سبخة هاملة بين الحيود
يعود إلى الذّاكرة:

" جدّي طرحني في الحداب المقفرهْ "


الدّلالة الأخرى أن الرّجل سيّد نفسه وقومه ، ميّال كما أشرنا إلى التّسامي بالذّات والتعالي بالنفس من الوقوع في المدارك السّفلى من القيم ، ومثل هذا لا بدّ وأن يكون كريما جوادا:

في قصيدته المرسلة من الهند إلى إندونيسيا ما يعزز اعتقادنا في علوّ هامة هذا الرجل الصّدر المقدام:

أخبار تبلغ من قداكم منها الجوف اشْتعل=بين الحبايب والمشايخ و.... والدّول
ما هو سوى يا اهل الوطن ما هو سوى يا هل الأمل= لا بارك الله للذي فيها سفح ولاّ غزلْ
وان با تحصّل شرع بانعزم إليكم في عجل=بادرج على لخْوان باصرّ العماني والجفلْ
لاجل صفو الحوض ماقصدي كساء ولاّبدل= باسّرح على مصرفي لو بيع في عزّ الوسلْ
مثل هذا الرّجل الشّاعر الجامع لخصال القيادة والرّيادة والصّدارة والإنتماء والإلتزام يكشف عن كفاءة أو هزال وركاكة من يتناول اسمه ويذكره كشاعر دخل تاريخ حضرموت السياسي والفكري والإجتماعي ، ولا مجال للقول بأنه رأي واستقراء يختلف حوله القارئون وذوي الرأي لأن الأمر يتعلّق بثقافة النسيج الإجتماعي بمنظومته القيمية الكاملة التي يجب أن تكون القاعدة أو الخلفية لتناول هكذا بحث، ومن حيث ينطلق قارىء هذه الشّخصية المدرك والمتفهّم لذلك النّسيج تكون القراء صحيحة ومستوفاه ، أمّا أن يأخذ بالأطراف أو بدافع من هوى فإنه يخلص إلى التبسيط المضحك إذا ما أحسن وإلا فإنّه يكشف عن ضحالة فكره وركاكة معارفه .

مع جزيل التّحيّة
التوقيع :
  رد مع اقتباس