وقفة استراحة
أينما تذهب وتجد للأدب جذورا فتأكّد أنّ لأهله قيم وأخلاق وصفات حسن وفضائل ، ذلك أنّ التاريخ يروي مما يرويه قصصا عجيبة تحمل الوفاء والكرم والشجاعة والشهامة فتنعكس في عطائهم الشعري.
سجن المتوكّل محمد بن صالح العلوي ، من أولاد الحسن ، ثمّ أطلق سراحه وإلى القصّة المثيرة:
خرج محمد بن صالح على المتوكّل وتسلّط على قافلة ، وبينما كان أصحابه ينيخون الجمال ، أطلّت عليه امرأة جميلة ، وقالت له:
" أنا حمدونه بنت عيسى بن موسى بن أبي خالد الحربي ، لأبي سلطان ولنا نعمة ، وإنّي أسألك أن تصونني وتسترني "
أعطته ما في حوزتها من مال ( ألف دينار ) وأعطته حلّيها وطلبت منه أن يحميها من عار سيلحق بها ، فقال لها:
ـ ( قد وهب الله لك مالك وحالك وجاهك ووهب لك القافلة )، وأمر رجاله بأن يدعو القافلة ولا يأخذوا من حمولتها شيئا .
ثم انه وقع في الأسر وسجن في سامراء ، ودخل عليه السجان ذات يوم ، وقال له: إنّ بالباب امرأتين تزعمان أنّهما من أهلك ، وهما في الدّهليز ، فلما خرج إليهما وجدها حمدون وأخرى . رأت حمدونة ثقل حديده وما هو عليه من الضّرّ فبكت وأقبلت عليه وقالت:
ـ ( فداك أبي وأمّي ، والله لو استطعت أن أقيك بنفسي وأهلي مما أنت فيه لفعلت )
أعطته مالا وثيابا وطيبا ، وقالت له: سيأتيك رسولي كل يوم بما يصلحك حتى يفرّج عنك .
فرّج الله عنه وطلبها من أبيها عبر صاحبه ابراهيم بن المدبر غير أنّ الأب خاف من المتوكل ، وما زال به حتّى وافق فتزوّجها وحال الأجل دون أن يهنأ بعيشه ، فلقد أصيب بالجدري في ريعان شبابه ومات .
من كتاب: (موسوعة العذاب ـ المجلدّ الثالث ـ ص: 26 ، 27 )
من شعره:
وبدا له من بعد ما انْدمل الهوى= برقٌ تألّق موهناً لمعانهُ
يبدو كحاشية الرّداء ودونه=صعب الذّرى متمنّع أركانهُ
فدنا لينظر كيف لاح فلم يطقْ=نظراً إليه وردّه سجّانهُ
فالنّار ما اشتملت عليه ضلوعهُ=والماء ما سحّتْ به أجفانهُ
من قصيدة:
يبدو كحاشية الرداء ودونه = صعب الذراء متمنع أركانه
فدنا لينظر أين لاح فلم يطق = نظرا إليه ورده سجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه = والماء ما سحت به أجفانه
ثم استعاذ من القبيح ورده = نحو العزاء عن الصبا أيقانه
وبدا له ان الذي قد ناله = ما كان قدره له ديانه
حتى استقر ضميره وكأنما = هتك العلائق عامل وسنانه
يا قلب لا يذهب بحلمك باخل = بالنيل باذل تافه منانه
واقنع بما قسم الاء له فأمره = مالا يزال عن الفتى إتيانه
والبؤس فان لا يدوم كما مضى = عصر النعيم وزال عنك أوانه