[باشراحيل]

[QUOTE=رســول الغــرام;711417]

تحية طيبة للجميع و بعد :
غالبا ما يسمع الملتفون في مجالس الشعر و المتبادلون للحديث عنه و تناقله و نقده و النقاش به هذه العبارات الشائعه , لذا رغبت أن اطرح هذا الموضوع للحوار حولها و تفسير معناها و النقاش بخصوصها .



نبدأ بـ : ( المعنى في بطن الشاعر ) .

و سوف اقتبس بعض ما قرأت بهذا الخصوص , يقول الناقد :

(المعنى في بطن الشاعر) عبارة صحيحة ودقيقة جدا, لكنها لا تقال في كل معنى, فليس كل معنى في بطنه, بل من المعاني التي ينطقها لسانه ما لا يستوعبها بطنه , و المقصود بـ " البطن " هنا هو باطن الشاعر و داخله , و ليس معدته .

قصه :
دخل أبونواس المسجد فوجد أحد القُصّاص يقص على مريديه وبلغة اليوم يُحاضر فيهم, وكان هذا أمرا دارجا معتادا في الماضي لأن المساجد كانت بمنزلة المدارس والجامعات ودور العلم في عصرنا هذا, قال أبو نواس وبينما أنا أصلي سمعت أحد الجالسين يسأل الشيخ: لماذا قال أبونواس:
(وقل لي هي الخمر) في قوله (ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر)؟ فلما سمعت اسمي تنبهت حواسي, وتشوقت لمعرفة الجواب, فأصخت إليه منتظرا الرد, فقال الشيخ: إنه عندما قال: (ألا فاسقني خمرا) أراد أن يتلذذ بطعمها وأثرها في روحه, ثم قال (وقل لي هي الخمر) ليضيف إلى روحه متعة أخرى, وهي التلذذ بسماع اسمها, فهو حينئذ يتللذ بها مرتين!
قال أبونواس: فلما سمعت هذا التفسير المثير أعجبت به, مع أنه لم يخطر ببالي هذا المعنى عندما قلت البيت!

( المعنى في بطن الشاعر ) .. عبارة رددتها الأفواه ولاكتها الألسن كثيرا عند التعبير عن صياغة شعرية في بيت أو قصيدة غير واضحة المعنى أو الغرض أو ذات معان كثيرة غير معروف مايقصده الشاعر من تلك المعاني .. فيقولون " المعنى في بطن الشاعر " أي في باطن الشاعر وفي لبه وعقله ومشاعره ..

والشاعر هنا كما أرى أحد اثنين : أما شاعر أصيل نابه ذكي حاذق متمكن استطاع ان يخفي أهدافه أو معانيه في التعبير عن تجربته المعاصرة تحت ستار رمزي مثلا او خلف قناع تراثي او تاريخي او ديني او غيره في صياغة شعرية حقيقية فلم تظهر للمتلقي العادي تلك المعاني بوضوح وهنا حقّ للشاعر ان يقال عن معانيه ( المعنى في بطن الشاعر ) .. وأما أن يكون الشاعر ككثير من شعراء اليوم الذين لايفهمون شيئا في المعنى ولا في المبنى ويرغبوا ان يقال لهم شعراء تحت ستار( المعنى في بطن الشاعر ) ، وخاصة الكثير من شعراء القصيدة الحرة الذين يكتبون كلاما هم لايفهموه فكيف يفسروه او تفهمه الناس !! .. ويتحججون بالتصريح النقدي القديم في القول : ( المعنى في بطن الشاعر ) .. ففي الحالة الأولى المقولة حق أراد به حق باستحقاق ، وفي الثانية باطل أراد به حق .. اي أن الوجه الاول هو الوجه الايجابي والثاني هو الوجه السلبي ..

أما قول من قال في ماذكره اخي "رسول الغرام" (( (المعنى في بطن الشاعر) عبارة صحيحة ودقيقة جدا, لكنها لا تقال في كل معنى, فليس كل معنى في بطنه, بل من المعاني التي ينطقها لسانه ما لا يستوعبها بطنه )) فالعبارة لاتقال في كل معنى كلام صحيح لأن المعاني الصريحة الواضحة تدل عليها مفرداتها الشعرية ، ولكن القول ان العبارة تقال في المعاني التي ينطقها لسانه مالايستوعبها باطنه هذا امر فيه نظر لأن مالايستوعبه باطنه اي عقله وفكره كيف ينطق به ويعبر عنه ؟؟ ما ينطق به الشاعر يجب ان يكون مفهوما عنده على أقل تقدير والا أضحى " هذيان محموم " كبعض هذيان المتشاعرين في الشعر الحر . انما الذي لايفهمه احيانا هي المعاني الاضافية التي تعبر عنها ابياته غير الذي قصده الشاعر وهذا الوجه ماتبرزه مهمة النحويين في السابق والنقاد اليوم .

أما حكاية ابونواس في المسجد والمعنى الذي عبر عنه الشارح لشعره وهو لم يدركه فهذا موجود عند كل الشعراء وعلى ضوء ذلك قيل للنقد انه ابداع على ابداع لأن الناقد يبصر الشاعر بالمعاني ويفتح عينيه على القيم الجمالية التي نطق بها شعره ربما وهو لايعرف عنها انما قالها بالفطرة والسجية الشعرية وأباحت بها موهبته .. ومثلها حكاية المتنبي والعالم النحوي في عصره "ابن جني" الذي قال فيه المتنبي بعد ان سمع شرحه لقصائده وابياته قال : (( ابن جني أعلم بشعري مني )) ..

شكرا لأخي المبدع المتألق "رسول الغرام" الذي فتح بابا للحوار النقدي المفيد .. وهذا الرد على الجزء الاول من مداخلته ولاحقا نستكمل الرد على الجزء الثاني ..

وتقبلوا تحياتي .