عرض مشاركة واحدة
قديم 11-28-2013, 01:25 PM   #48
مبارك بوشندل
شاعر السقيفة
 
الصورة الرمزية مبارك بوشندل

افتراضي

الوقفة الثانية والثلاثون
سرعة بديهة

سرعة البديهة نعمة ومنحة من الله جل جلاله, قليل من يمتلك هذه النعمة, والأقل من يوظفها في الخير.
أبو تمام أبرز الشعراء الذين وهبهم الله هذه النعمة.

حدث أن مدح أبو تمام الخليفة أحمد بن المعتصم, قيل وكان في المجلس من يكن له العداوة حتى وصل في قصيدته إلى قوله:
إقدام عمروٍ في سماحة حاتمٍ ... في حلم أحنف في ذكاء إياسِ
فقال من يبغضه: ( شبهت أمير المؤمنين بأجلاف العرب )
فأطرق هنيهة ثم قال:
لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلاً شروداً في الندى والباسِ
فالله قد ضرب الأقل لنــــوره ... مثلاً من المشكـــــاةِ والنبراسِ
وكان من الحاضرين الفيلسوف الكندي فتناول الصحيفة التي كتب أبو تمام فيها قصيدته فلم يجد البيتين فقال متفرساً : إن هذا الرجل سيأكل الذكاء دماغه و لن يعيش طويلاً .. وصدقت فراسة الكندي فقد مات أبو تمام بعدها بخمس وأربعين ليلة .
والحق إن الذين ذكر أبو تمام ليس من أجلاف العرب, بل من خيار العرب, واشتهر كل واحد منهم بمنقبة يتمناها كل العرب ولكنه الحقد.
من أجمل الشعر لمن ذكر ابوتمام:

عمرو بن معد كرب الزبيدي رضي الله تعالى عنه:
ليس الجمال بمئزرٍ ... فاعلم وإن رديت بردا
إن الجمال معادنٌ ... ومناقبٌ أورثن حمدا

من أقوال حاتم بن عبدالله الطائي:
أماوي إن المال غادٍ ورائحٌ ... ويبقى من المال الأحاديث والذكرُ
أ ماوي إني لا أقول لسائلٍ ... إذا جاء يوماً حلَّ في مالنا نزرُ
أ ماوي إما مانع فمبين ... وإما عطاءٌ لا ينهنه الزجرُ
أ ماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدرُ

أماوي: اسم زوجته.
فهو يخاطب أقرب الناس إليه زوجه التي يعيش معها التي ربما تلومه على طغيان بذله ويدفعها لذلك طبيعة الإنسان في حب التملك والاستمتاع بالحياة كما يستمتع الآخرون ، إنه يقرر لها معنى المال وقيمته لديه وأنه غاد ورائح ولا يبقى إلا الأحاديث التي يتناقلها الناس والذكر الذائع في الآفاق .
ثم يخاطبها ثالثة ويبين لها موقفه ممن يسأله شيئاً من أشيائه فلا يجيبه كما يجيب كثير من الناس ما عندنا إلا شيء قليل !
ثم يرفض فكرة الاعتدال في العطاء ويخيرها بين أمرين لا ثالث لهما إما منع أو عطاء لا حدود له ولا يقف دونه الزجر والردع . .
ثم يذكرها بعاقبة حال الإنسان إذا فارق الدنيا فماذا سيأخذ من ماله إذا بلغت الروح الحلقوم !
هل سيغني الثراء في تلك الساعة ؟

التعديل الأخير تم بواسطة مبارك بوشندل ; 11-28-2013 الساعة 01:33 PM
  رد مع اقتباس