الجامعات بين العولمة والعالمية.. جامعة الأمير محمد بن فهد .

[عابرة سبيل]

د. يوسف محمد سليمان

لقد استأثرت ظاهرة العولمة (Globalization) باهتمام المفكرين وأصحاب القرار في كافة مجالات النشاط الإنساني. ففي مجال النشاط الاقتصادي أصبحت الشركات تنظر إلى فرص الاستثمار خارج الحدود والتوسع في الأسواق العالمية الأمر الذي فرض عليها إعادة النظر في هياكلها الإدارية ونوعية المهارات التي يحملها العاملون لديها والتقنيات المستخدمة في خطوط إنتاجها وتقديم خدماتها وذلك لتصبح قادرة على مواجهة المنافسة الشرسة من الشركات الأخرى وجذب أكبر قدر من العملاء لشراء منتجاتها والحصول على خدماتها. ولكي تستطيع أن تنفذ استراتيجياتها التسويقية أصبحت الشركات تستخدم وسائل وأجهزة الاتصال بكافة أنواعها وتأتي بأفكار إبداعية للوصول إلى الشرائح المستهدفة من المجتمع لتحقيق أهدافها في الانتشار ، ليس في السوق المحلي فحسب ، بل وفي الأسواق العالمية وفي جميع بلاد العالم. وبالإضافة إلى ذلك أصبح هناك اهتمام كبيرة بجودة الخدمة والمنتج لكسب رضا العملاء .
ولقد أدى هذا التغيير في طبيعة وأهداف النشاط الاقتصادي المترتب على ظاهرة العولمة إلى أن يتطلب سوق العمل معارف ومهارات جديدة يجب أن تتوافر لدى الراغبين في الالتحاق بوظائفه. وعليه فلقد أصبحت المؤسسات التعليمية, وبخاصة مؤسسات التعليم العالي ، تحت ضغوط عالية لإعادة النظر في مناهجها وطرق تنفيذها حتى تستطيع تلبية احتياجات سوق العمل وإعداد خريجيها للقيام بالمسؤوليات التي تفرضها وظائفهم .
وهناك اتجاه جديد في التعليم العالي أصبح يحظى أيضاً باهتمام بالغ ويشكل بحد ذاته مجال خصب للباحثين والمهتمين بقضايا التعليم العالي ، وهو ما يعرف بمسمى العالمية (Internationalization). فلقد أصبح هناك بعد عالمي لنشاط مؤسسات التعليم العالي. وعلى الرغم من وجود عدة تفسيرات لظاهرة العالمية في مجال التعليم العالي ، وعلى الرغم من أن هناك في كثير من الأحيان استخداما لمفردتي العولمة والعالمية كمترادفتين يشيران إلى نفس المفهوم والمعنى ، إلاّ أن هناك اختلافا كبيرا بينهما. فالعولمة تتعلق بأنشطة ذات بعد اجتماعي وثقافي تتخطى وتتجاوز حدود الدول وتنظر إلى المجتمع الإنساني كمجتمع واحد ممتد له متطلبات متشابهة وإن اختلفت قليلاً هنا وهناك نتيجة لتأثير عوامل محلية لا يمكن إغفالها. وهي ظاهرة تشكّلها وتدفعها قوى السوق وطبيعة أنشطته الاقتصادية ومتطلباتها.
أما مفهوم العالمية فينبثق من الطبيعة الكونية لتقدم المعارف الإنسانية. فبما أن المعرفة شأن إنساني عام فتصبح الجامعات ، والتي من مهامها تجاه مجتمعاتها إيجاد المعرفة وتطويرها, بالضرورة مؤسسات ذات توجّهات عالمية. بل ويمكننا أن نقول إن الجامعات ومنذ نشأتها كمؤسسات تعليمية كان لأهدافها وأنشطتها العلمية أبعاد عالمية تتجاوز حدود المكان الذي تقوم فيه ومتطلبات المجتمع الذي يحيط بها وتستهدف المجتمع الإنساني بأسره. لهذا فإن الجامعات تسعى لإيجاد ارتباطات وشراكات لتعزيز التعاون مع مختلف الجهات ليصبح لها إسهام في النشاط العلمي على مستوى العالم. ويتمثل ذلك في اتفاقيات البحوث المشتركة وتبادل الأساتذة وعقد اللقاءات لتبادل الأفكار والخبرات. ولقد أصبح هذا التوجه قويا وضروريا بالنسبة للجامعات نظرا للتقدم السريع في العلوم والمعارف الإنسانية، والذي لا يمكن متابعته والإحاطة به إلا عبر الارتباط والتواصل المباشر مع مصادره.