المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > شؤون عامه > الســقيفه العـامه
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


ياغير مسجل أنـّـةٌ من القلب الدامي ،، لمؤلفه/ الاستاذ سالم بن علي الجرو

الســقيفه العـامه


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-19-2007, 01:57 AM   #1
عبدالقادر صالح فدعق
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية عبدالقادر صالح فدعق

افتراضي

روعه ياأستاذي العزيز ........ نحن هنا لن نغادر ....
لك كل الود والمحبه ..
  رد مع اقتباس
قديم 07-19-2007, 11:46 AM   #2
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

- 23 -


الماركسية اللينينة في الريف


لا صوت يعلو فوق صوت الحزب...
الترويج لصراع طبقي....
إنها سلطة البلوريتاريا القادمة.....
الويل للإقطاعيين والبرجوازيين...
العمال والفلاحون هم أصحاب المصلحة الحقيقة في الثورة...
هكذا بدأت التوعية وبدت معها ملامح التغيير في النفوس والفكر والواقع ، فاللهجة جديدة بمصطلحات جديدة والتحضير جارٍ لعمل ما . الحملة الإعلامية مكثفة وكذلك الاجتماعات التي اقتصرت على العمال والفلاحين كانت مكثفة ومنتشرة في عموم الوادي ، أما المسلحين والحلفاء الثوريين فقد غطوا الساحة ، والسيارات العسكرية تجوب الريف والقرى ، عليها رشاشات ومدفعية. صفحات مكشوفة لبعضهم هم الحضارمة ، فالكل يدري عن أخبار الكل وكأنما يجمعهم بيت واحد ، وفجأة يجري التّعتيم والكتمان ، فما هو الشعور الجديد يا ترى؟ . إنّه التّنكر وقطع دابر علاقات حميمة قديمة إلى حال من الشك والتّوجّس والبغضاء . صاحب كل ذلك حملة مكثفة من عناوين التغيير جملة من الاعتقالات ، وما هو إلا وقت قصير حتى أعلن عن [ انتفاضة ] . بحركة ثورية مدروسة ، وبعنف ثوري قيل أنه منظم نفذّت الانتفاضة بين عشية وضحاها ، وجلس هذا مكان ذاك في الأرض ، وبين يوم وليلة جرّد الملاك من أراضيهم ومن مزارعهم وأعطيت لأصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة ، وجاء شعار:
يا إقطاعي يا جبان = هذي أرضي من زمان
أما الرقصات التي قام بها الفلاحون ابتهاجا بالنصر الساحق فقد كانت شعاراتها وقصائدها التي يتغنون بها ذات معان ودلالات لا تخرج عن فلسفة العنف . إنهم لم يرتكبوا خطأ عندما طردوا أهل الأرض ، فهي حق من حقوقهم:
مع الفلاح لا هزّ رأسه با نقاتل = بغينا حقّنا ما بغينا شي بباطل
حاشا أن يكونوا من الظالمين ، إنهم لم يقدموا على فعل باطل ، وإنما هو حق انتزعوه ، ومن قال: ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) . أليس الله هو القائل؟ . هؤلاء لهم اعتقاد آخر .
الغريب ساووا بين الإقطاع في الصين وروسيا ومصر وبين فقراء معدمين أهلكتهم بضع أمتار مربّعة : من حفر البئر؟ ومن زرع النخل ؟ ومن أحياء الأرض؟ . إنها حقهم وكفى ، ومن يقول: لا ، فالغرفة الضيقة مع التعذيب في الانتظار ، وإذا تطور الأمر فطلقة رصاص تخترق الجمجمة أو العضو النابض الذي تنسب إليه الرحمة والشفقة والعطف ، وكذلك القسوة .

ثورة حمراء

بعض الملاك أوذوا أذى خفيفا ، ولكنه على مرأى من ذويهم ، وبعضهم أوذوا أذى شديدا وهم في السجون ، وبعضهم قتل.
شعار يتغنون به:
سالمين نحن أشبـالك وافكارك لنـا مصباح
واشعلناها ثور حمراء بعنف العامل والفلاح
[ أفكارك لنا مصباح ] . إنها جملة فقط ليست ذات معنى ، فالرجل من الناحية العسكرية بطل وما عداها فمقلّد.
[ سالمين ] ، هو سالم ربيع علي ، رئيس مجلس الرئاسة للفترة من: 1969 ـ 1978 . كان متألقا بلغ صيته كل شبر من شطر اليمن الجنوبي آنذاك ، وحفظ اسمه الجميع بمن فيهم الصغار ، وقيلت فيه القصائد المطولة والغنائية وقصائد الزامل . من قصائد المغنى:
مشكور يا سالم ربيع والشعب قد حقق مصيره
والله لا وطّيت رأسي من بعد تقرير المصير
قتل عام 1978 في معركة دامية نشبت بين الرفاق في مدينة عدن ، والقصة تطول إذ ارتبطت بحادثة اغتيال أحمد الغشمي رئيس الشطر الشمالي ، وقد كتب في هذا الكثير....إلا أنه كان أكثر الرفاق قبولا لبساطته ولقربه من الجمهور الغاضب منه والآخر الراغب في بقاء أفكاره لهم مصباح.
التصنيف:
إقطاعيين ـ عمال وفلاحين ـ مثقفي ثوريين ـ البرجوازية ـ البرجوازية الصغيرة ـ كومبرادور .
على هذا النمط تم تصنيف المجتمع ، وكل صنف محدد الهوية والاتجاه عدا طبقة البرجوازية الصغيرة التي تنقسم إلى قسمين ، أحدها: يتحالف مع العمال والفلاحين ، وهذا لا خوف عليه بل يعد إثراء للمد الثوري ، والآخر يرتمي في أحضان البرجوازية الكبيرة ، والقسم الأخير يكون بالضرورة من أعداء الثورة ، وما عدا القسم الأول من البرجوازية الصغيرة فإن الجميع متهمون بالعداء ، ويتوقف التنفيذ على ولاء وإخلاص الثوريين لبعضهم ولقياداتهم ، فكم ضحية ذهبت قربانا ، وكم عقل وفضل وحصافة ذهب كبش فداء . تقوم فلسفة التغيير الثوري لماركس على مفهوم الاقتصاد ودعائمه ، منها الأرض ووسائل الإنتاج وسوّقت الطلائع فكرة الانتفاضة من هذا المنطلق ، إلا أن الانتفاضة جاءت بحقد آخر ، هو العداء للقبائل مع العلم بأن كثير من القبائل انخرطوا في صفوف الثوار ، لكنها الأوراق التي اختلط . إن أغلب العشائر الحضرمية مفلسين من الأموال وليس لهم أملاك تذكر في المدن ، وكل ما يدافعون عنه مسطحات الجبال أو أرض بور ، إلا أنهم أغنياء بالتلاحم مع بعضهم وبعلو الهامة عند إكرام الضيف وفي مجلس العشيرة ، ومن ناحية أخرى فإن الكثيرين من أفراد القبائل دعموا الانتفاضة كما أن كثير ممن صودرت ممتلكاتهم ومن سمّوا بالإقطاع لم يكونوا من القبائل المنتظمين في عشائر وإن كانوا منحدرين من أعرق العشائر اليمنية . هذا العداء أحدث شرخا في الوفاق الأزلي بين شرائح المجتمع مما خلّد وإلى حين البغضاء والشحناء بعد الوحدة اليمنية التي أعادت الممتلكات إلى أصحابها وعجزت عن أعادة النفوس إلى سابق عهدها .
إنه لو طلب منك تمييز المالك عن الفلاح من خلال الهيئة وأمعنت النظر في شخصين: أحدهما المالك والآخر فلاح ولم تكن لك سابق معرفة بأحدهما لاحترت في تمييز من هو صاحب الأرض ومن هو الفلاح ، في حين أنه سهل ويسير عليك لو كنت في البرازيل أو أيّ قطر أفريقي ، وإن قست بالمظهر فستقول بأن الفلاح هو المالك . إنهم متقاربون في الهيئة والملبس. أما إذا قدمت من الصين أو أوروبا وأردت الكتابة عن برجوازي أو كمبرادوري ، فتأكد أنك ستعود بأوراقك بيضاء لأنك لن تكتب شيئا ، أي لن تجد شخصا بهذه الصفات . إنها فقط تسميات منقولة من الكتب الماركسية على واقع بعيد جدا عن هذه المسميات .
من المضحك المبكي أن تشاهد أحد الملاك يجري خلف اللجنة الفلاحية في موسم التمور ، يطلب لصغاره تمرا من نخل قرب منزله ، فيتهمونه بأنه لا يزال يتكلم بلغة المالك ، فيعطونه ولكن في مكان بعيد حتى لا يقول أخذت من حقي أو من حلالي .
ومن المحزن أن يسجن أب لثمانية أكبرهم في الثانية عشر من عمره بتهمة سخيفة..........
ومن المؤسف أن يبصق وضيع في وجه شيخ كبير...........
ومن الباعث على الضيم أن يمنع الفلاح صاحب الأرض والزرع من أخذ عود يابس من مزرعته يضمه إلى حطبه .
ذلك ما حدث وتجرّعه ذوي النفوس الكبيرة ، ومن مات منهم مات كمدا....
جملة القوانين التي صدرت في هذا الظرف الساخن كانت غريبة وشاذّة كقانون الأسرة الذي نقل المرأة إلى مربع آخر دون مراعاة للدين وللأعراف والتقاليد ، فقد كانت تنقاد للرجل طواعية رغبة منها وامتثالا للتعاليم السماوية وما جرت عليه الأعراف والعادات أكان أب أم زوج أم أخ بالرغم من ادعاء البعض بأن حقوقها مهضومة ، وقد يكونون محقين في ذلك ولكن لا يجب أن يكون الإدعاء حق يراد به باطل ، غير أن قانون الأسرة جاء ليحدث نظاما جديدا بل قل شرخا في العلاقات الأسرية ، فلا يحق لأب أن يسأل ابنته عن انتفاخ بطنها إذا ما رضيت هي بذلك ، ولا يحق لزوج أن يطلق زوجته إلا بعد موافقتها . وإذا ما وقفنا على تقنين المواد التموينية نجد حالة من التبرم والامتعاض . كانوا يقفون في طوابير طويلة على أبواب الجمعيات التعاونية من الصباح حتى العصر والحصيلة زجاج فانوس أو نصف كيلوجرام زنجبيل ، وفي معظم الأوقات يفاجئون المنتظمين في الطابور بنفاد الكمية وإلى طابور آخر قادم . مواد محددة في نطاق ضيق كالأرز والدقيق والزيوت هي المتوفرة وليست بكميات كافية ، أما القشطة مثلا والزبدة والمربّى وأنواع الفواكه فذاك ما لا تراه عين وتسمع به الإذن إلا من مغترب ، ومن شاهدها صورها فليحمد الله على ما آتاه من فضله .
كانت شركة التجارة الخارجية إذا تورطت في بضاعة ما كاسدة فإنها تحولها إلى التجارة الداخلية وهؤلاء بدورهم يحولونها إلى التعاونيات ، ويقوم هؤلاء بدورهم وهو التخلص من الورطة ، دور بسيط جدا لا يكلف الكثير من العناء ولا يتطلب تفكيرا ، فكل من جاء يريد حليب أو سكر أو زيت أجبروه على بطارية منتهية أو شاي عديم المذاق ، وبهذه الطريقة سلمت الدولة من الخسائر ووزعت الضيم والقهر على الجمهور بالتساوي .
***
من صدقت سريرته
حسنت علانيته

لم يتعلق قط بشخص كتعلقه بصديقه جعفر ، فإن قلت: شقيقان فأنت محق ، وإن قلت: شقيّان ، فقولك صائبا ، وإن قلت ذكيان: فإن لجعفر نصيب يحسد عليه ، وينطبق عليه قول الشاعر:
قال أبي...
في أيّ قطر عربي...
أعلن الذكيّ عن ذكائه،
فهو غبي....
لذلك اختطفوه وقتلوه..........
لكن صديقه الآخر [ أحمد ] ، الذي تعرف عليه عندما كان مدرسا في قرية [ العريض ] بوادي سر ، لم يعلن عن شيء كهذا رغم ذكاءه الخارق ، وكان بسيطا في سلوكه ذو طبيعة مرحة ولا يتدخل في شئون السياسة ، فجعفر اختفى وإلى الأبد ولحق به شقيقه [ صالح ] ، وأحمد أعتقل ومكث في السجن دهرا.أسباب الأول لا يعلمها أحد إلا أنها وبكل تأكيد تصفية حسابات غلب عليها الطيش والحمق والجهالة وما شئت من صفات الحقارة والدناءة ، وأسباب اعتقال أحمد مع زميلين له في ذات المهنة وضحت ، فيما بعد ، فقد ذهبوا إلى وادي دوعن ، الأثرياء سكانه ، القادمون من السعودية لحضور حفل زواج ، وفسّر ذهابهم بأنهم التقوا بعناصر مضادة للثورة . التهمة ملفقة وإن لم تكن كذلك فإنهم اعتقلوا بناء على الظن والشك. في أدبياتهم: السعودية عدو تاريخي ، والمغترب القادم من البلاد السعودية هو رجعي بالضرورة إلا من كان ينتمي إلى الطبقات الكادحة. الكادحون هم أصحاب المصلحة الحقيقة في الثورة .
الصديق الثالث لم يكن في مستوى جعفر وأحمد ، فذانك صديقان يتعقب أخبارهما ليطمئن قلبه ، في حين أن هذا يتعقبه ويلاحقه باسم الصداقة ليطمئن على وظيفته.علم فيما بعد أنه قد صادقه لأمر كان يبطنه ، إنه من رجال جهاز أمن الثورة ، كتب عنه ما لا يدريه من الكذب والافتراء وبالغ في القليل مما يعد من الحقائق. من الكذب أنه ينتمي إلى حزب الرابطة ، ثم عدل الانتماء إلى حزب البعث ، ومن الحقائق الإدعاء بأنه ناصري غير أن الصديق المخادع الكاذب بالغ هنا فقال عنه: أنه ابن اقطاعي ، ناصريا ، مساوما ، يلتقي مع أعداء الثورة وهو في النتيجة معاديا للثورة.
عرف ذلك عندما أخبره رجل عاقل في الجهاز إيّاه الذي يفتتح أعماله بالدم وينهيها بالدم ، فلا مجال للانتظار ، فالثورة في نظرهم في خطر على مدار الساعة وما ضرّ لو أزيح آدمي عن الطريق . أخبره الرجل العاقل بأن صورته سيئة وسيدافع عنه قدر الإمكان ، وعاتبه: كيف لم يحتط من عضّة هؤلاء الناقصين ،. وماذا ينبغي فعله عندما يحتاط؟ ، فالدبابيس من الانتهازيين لا يتورعون عن الأفعال الذميمة . كل بيت فيه جاسوس أو جاسوسة وبعض الآباء يخافون حتى من أبنائهم ، والمسألة ليست في عمل تقوم به أو قول تقوله وتحاسب عليه ، إنها في جرّة قلم من حاقد أو ناقص أو متسلق . وفي ذات الوقت يعتبرونه في القرية أحدهم لأسباب سعة دائرة الأصدقاء ثم ما رواه العم أحمد عنه وعن ذلك المسئول التنظيمي المنبوذ وليس وحيدا في الاتهام والهم والغم ، فأحد زملائه في سلك التدريس نصبوا له فخّا وأساءوا إلى سمعته ، فغادر بعد سجنه وقتا طويلا واستقر في المجر ، وتعين أخوه مدرسا في قريته وللزمالة حق ، وكان ظريفا وواعيا فنمت بينهما صداقة . كان لا يسأله عن الأوراق التي يضعها في خرج دراجته وهما يتنقلان من هنا إلى هناك ، وهناك وهنا من يراقبهما ولا يدري ، فيأخذون الأوراق ويصورونها . زميله هذا كان ينتمي إلى حزب معادي دون أن يعلم ، ومن يراقبهما يأخذ الأوراق من خرج دراّجته ويصورها ثم يعيدها ، فوقع في المحظور وحلت الكارثة غير أن الرجل العاقل في الجهاز يعرفه تماما وعلم أنه آخر من يعلم .
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 07-19-2007 الساعة 11:57 AM
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2007, 03:08 AM   #3
بنت المشايخ
حال نشيط
 
الصورة الرمزية بنت المشايخ

افتراضي

اشكرك شرقاوي واوجه تحية وفاء وامتنان للاستاذ الكبير بعلمه واخلاقه سالم علي الجرو
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2007, 03:27 AM   #4
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))


الدولة :  Saudi Arabia
هواياتي :  القراءة والسباحة وتصفح الانترنت
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) is on a distinguished road
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) غير متواجد حالياً
افتراضي

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت المشايخ
اشكرك شرقاوي واوجه تحية وفاء وامتنان للاستاذ الكبير بعلمه واخلاقه سالم علي الجرو

هلا ببنت المشايخ اهلا وسهلا فيكِ لاشكر على واجب أخيتي ,,, بالفعل الاستاذ الاديب سالم بن علي الجرو يستحق هذا الوفاء من أهل الوفاء يابنت الاجاويد ,, نشكر له تفضله وتكرمه علينا بنشر هذا الكتاب في سقيفة الشبامي وهذا شرف عظيم ...

شكرا لكِ .
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

شكرا لمن اهداني البطاقة الجميلة .
  رد مع اقتباس
قديم 07-22-2007, 08:27 AM   #5
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 24 ـ


عام الإبتلاء

أينما تذهب في الوادي الطويل تلاحظ سمات التغيير على الإنسان ، فكل من يحمل بندقية وصوته عالي فهو لا محالة من المستفيدين من الثورة ومن حراسها الأمناء ، وقد لا تروق لك هيئته ، وإن تحدث معه تكتشف أنه لريب الدهر لا يتضعضع ، وإن بدا منك ما يسوءه فبكل يسر يستطيع أن ينال منك بحيث تذكر الوقف وأنت في سكرات الموت . إنتقل إلى قعوضة حيث العام الدراسي الجديد بابتلاءاته وويلاته .
[ قعوضة ] ، ذائعة الصيت فإليها تفد رؤوس العشائر في السابق على الشيخ الحكم مقدم عشيرة نهد لحل المشكلات . أكبر من القرية وأصغر من المدينة ، ولكنها كبيرة جدا في ثقلها وتأثيرها ، ورجالها أكبر وأدهى وأشجع مما يتوقع المراقب . كان لهم ولها فيما مضى شأن كبير غير أن القمع العنيف طال هذه القرية المطلة على مجرى سيول الوديان ومن خلفها جبل وترتبط بقرية أخرى تسمى الظاهرة فشريوف والقارة ، وتضرر بعض رجالها ، ومنهم من اختطف وذهبت معرفته بالدنيا في ظروف غامضة . السلطة للعمال في هذه القرية ، وكان يقرأ في عيون الرجال قهرا وذلا . الويل لمن ينظر إليهم مستهزئا أو ساخرا . كان المنظر يثير السخط والشفقة ، الشفقة على رجال خائفين من زوار الفجر بعد أن اختفى [ ربيع ] ، شخصية مرموقة ذات علاقة واسعة بالعشائر الحضرمية ، والسخرية من أناس يحملون البنادق الرشاشة للاستعراض والاستفزاز ، وجميعهم تحتضنهم قرية واحدة وذكريات متقاربة.
إلى هنا تتوارد الأخبار في المساء عن الذين اعتقلوا في مساء اليوم الأول ، فلقد بلغت الاعتقالات أوجها ، وكل يوم تطلع فيه الشمس ، يغيب فيه نفر من الوجهاء أو ملاّك الأراضي بين سجين أو معتم عليه . الجميع انقادوا غير أن الشيخ صالح عبد الحميد بن علي جابر رفض الحضور إلى مقر حكومي ليلا ، مذعنا للطلب لكن في الصباح ، أنه في الصباح لن يخالف لهم أمرا فأبوا إلا أن ينقاد لهم كنعجة وهو الرجل الموصوف بالشجاعة والدهاء . ذهب نفر قليل ثمذ عادوا مصطحبين القرار والنار ، قوة بطش لا ترحم . استعد الشيخ صالح للمنازلة رغم هرمه وثقل وزنه وبرفقته أبنائه الثلاثة . ساعات قليلة انقضت بعد رفضه ثم وصلت القوات الساحقة من المليشيا والقوات الشعبية وبدأت المنازلة الغير متكافئة بين شيخ طاعن في السن وأولاده الثلاثة في بيت معزول وبين قوة تكفي لتحرير مدينة. بدأت المعركة واستمرت ثلاثة أيام نقلت خلالها الحكومة على مدى الأربع والعشرين ساعة جرحاها وموتاها في سيارات الإسعاف والناس تدعوا بالنصر لذاك المحاصر ، ولم يسأل أحد عن أفراد أسرة الشيخ صالح لأنه متمرد ولا بأس من دكّ بيته فوق رأسه ومن يحب . في اليوم الثالث تدخل الجيش وتكثف القصف ، وببسالة وإقدام زحفت القوات نحو البيت واقتحمته لإلقاء القبض عليه ومحاكمته لينال الجزاء الذي قد يصل إلى السحل . صعد الرجال الدرج ، فتوزعوا في الممرات وأطلقوا الرصاص في جميع بكثافة في الدهاليز والممرات والغرف حتى لا يدعوا لهم فرصة المقاومة ويلقوا القبض عليهم كالفئران المذعورة ، غير أنهم منوا بالهزيمة النكراء والشنيعة ، إذ لم يجدوا سوى مواد اختلط فيها السكر بالأرز ، بالدقيق والبهارات وبأصناف أخرى كي لا يستفيدوا منها ، أما الرجال ففي مكان آمن آخر بعيدا عن هذا المكان . إنه النصر الذي حققه الرجل العجوز القاسي العنيد على القوة الماحقة .
كان يتابع ما يجري للشيخ صالح بكثير من التحفظ هو وزميل له ، ذلك أن الشيخ صالح من قريته التي تبعد عن قعوضه في اتجاه الشرق بنحو عشرين كيلومتر ، متوقعين ردود أفعال من عشيرته ومن العشائر الأخرى إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث ، وقيل بأن الشيخ صالح أرسل إلى عشيرته بأن لا يشاركوا حفاظا على سلامة العائلات فواجه الموقف بمفرده ، لا سيّما وأن القرية لها تجربة في إحدى الليالي ، فقد احتلّتن قوات السلطة المسجد وراح الجنود يقصفون القرية وعند الفجر سحبوهم من ديارهم وأودعوهم السجون. عرض والده على السيد المسئول وساطته ، غير أن السيد طلب منه الإبتعاد وعدم التدخل فيما لا يعنيه.
هنا في قعوضه دخل الزنزانة في نهاية السنة الدراسية عام 1973بحكم صادر عن اللجنة الشعبية بتهمة ضربه لبعض شباب المسيرة الصغيرة لطلاب يحرسها رجال المليشيا العمالية والفلاحية يشتمونه ومدرس آخر واصفين إياهما في الشعارات بأنهما إقطاعيان ، يمينيان، رجعيان فتدخلت نقابة المهن التعليمية وآخرون ، وكان الجواب للجميع من قبل المأمور المتشدد: [ لتحقق اللجنة الشعبية أولا ، ثم لتصدر الحكم ثانيا، ثم بعد ذلك ننظر في الأمر من منطلق قاعدة: نفذ ثم ناقش ] ، وبطريقة فيها التفاف ساعده ثوري آدمي آخر فنجا من حكم قاسٍ جدا ونفذ حكم قاس اختاره لنفسه .


عودة إلى ثمود

عاد إلى ثمود ثانية بعد أربع سنوات وفوجئ بأن بعض طلبته لا يزالون في الصّف الأول . علم أنهم ذهبوا في إجازة قبل ثلاث سنوات ولم يعودوا ، أحدهم في الخامسة والعشرين من عمره ، يرى في حلق اللحية عيب فأطلقها دون أن يدري أنها تحرج مدرسين ثمانية.
ليست كما عهدها في عام 1970 ، فلقد هرب أغلب الرجال وعلى رأسهم الشيخ ، والباقون حذرون من كل موظف يعمل لدى الدولة ، حتى الشابة الحسناء التي تزوجت لا تتحدث كعادتها ، فلا ثقة في أي موظف حكومي. يتعامل معك البدوي على أنّك جاسوس للحزب ، وحتّى بعض الطّلبة ، وهذا سبب يجعلك في حرج وضيق صدر. ينظرون إلى المدرس كأحد الأعداء، لكنه شرّ لا بدّ منه وعلى قول المتنبّي:
ومن نكد الدّنيا على الحرّ أن يرى = عدوّا له ما من صداقته بدُّ
تذكر ما قاله المقدّم ، وهو الاسم الذي يطلقونه البدو على الشيخ عيضه قبل سنتين ، فقد قال له أن خلفه الدّسم و [ هبّات الريح ] ، وهنا العظم ، ويقصد دول الجوار الخليجية ورضينا بالعظم في سبيل البقاء في الوطن المحبوب .هرب إلى حيث الدسم ، وإلى المكان الذي سيعترفون له بحقه . الإنسان البدوي البريء هنا تغير وتغير معه سر الحياة البدوية ، وفرق بين أن ينظر إليك البدوي كرجل خير وبين أن ينظر إليك كرجل شر . لذا يتهيب السكان البدو من كل موظف باعتباره أحد الجواسيس .
في المساء يطفئون القناديل مبكرا تحسبهم نياما وهم يتهامسون ، لا يرغبون في زائر يرونه عدوا ثقيلا . إن الذي أحزنه هو ذلك التملق والتذلل الذي يبدينه النساء للمسئولين ، الغائبون عنهن الرجال القوّامون .
المأمور الشرس ذو الطبيعة العدوانية ، وإن رغب فمرح ، يتوعد بالضرب بيد من حديد ضد كل من يمس أمن الثورة بسوء أو يتطاول على مكتسباتها وهذه جمل فضفاضة ، وبمجرد اكتشاف رسالة من رب العائلة الهارب فإن موصلها وقارئها في تعداد قوى الثورة المضادة وينالهم الجزاء الأوفى وحتى الذين نالوا ثقة البدويات فتسامروا معهن قرأوا إنذارا مبطنا ، والغريب أن الذي جاء ليسامر البدويات هم المأمور ذاته والمحيطين به .
دعاه المأمور ذات يوم وقربه منه بصفته مدير المدرسة وكان يخطط لشيء بعيد . كان الضيف القادم من عدن هو الدكتور جمال فرحات مبعوث اليونيسكو أو اليونيسيف في مهمة تتعلق بالمساعدات والهبات والمشاريع الصغيرة في حقل التربية والتعليم وفي ميدان الصحة ، وأراد المأمور أن يعرفه على المسئول الصحي وهو مساعد صحي ، ومدير التربية والتعليم ـ كما أشار ـ وهو الفار من بطن الوادي حيث الحياة العامرة إلى جوف الصحراء . طلب منه كمدير للتربية والتعليم لدقائق فقط أن يعطي صورة مفصلة لحاجة المديرية إلى المرافق التعليمية بكامل تبعاتها. بعد الجلسة التي حضرها مسئول جهاز أمن الثورة ، المدمن سجائر ونوم و... ، ولم يدر عن أميته إلا ذلك اليوم ، أما الآخر قائد القوات الشعبية ، فقد كان يعترف وبشجاعة بأنه أمّي ويتمنى أن يقرأ ويكتب ، وما كانت تلك الجرأة لتبدوا من أمّي لولا قرابته من رئيس مجلس الرئاسة . بعد هذه الجلسة صار من المقربين لدى المأمور وكان يحلم بوظيفة مدير التربية والتعليم بالرغم من شعوره بأنها مغامرة ، فالوظائف الكبيرة لا تعطى إلا للحزبيين . المأمور لا يعي واجباته ولا يدري ما هي وأن ما طلبه منه ومن المساعد الصحي قرأه من ورقة وصلت من عدن ، وأنه قوي ، جريء وكل كلامه الغير مرتب يدور ويتكرر حول سلامة الثورة ومكتسباتها وأنه سيضرب بيد من حديد ضد كل من تسول له نفسه المساس بالثورة الصامدة . إن أحدا لا يستطيع أن يحدد مكتسبات الثورة ، أما من الأعداء فهي الإمبريالية والرجعية وقوى الثورة المضادة في الداخل الواضحة المعالم والمحددة الأسماء. كان هذا المأمور الأشعث الأغبر في معظم الأوقات يظهر بمظهر المصلي العابد عند كل اجتماع موسع للبدو ، وهذا يكفي للثقة من قبلهم في صلاحه وطيب أصله ، غير أنه تسبيح القيطون كما يقال: إذا سبّح القيطون همّ بسرقة... ، [ صلى وصام لأمر كان يطلبه فلما انقضى الأمر لا صلّى ولا صام ] .
كان الهاربون يراسلون ذويهم ، ويعتبر مدمن النوم والسكر والسجائر ، مسئول جهاز أمن الثورة ، الرسول ومن يؤويه وقارئ الرسالة عدو للثورة يستحق الإعدام والتعزير ، وقد ألقي القبض على مجموعة نفذ فيهم حكم الإعدام رميا بالرصاص . رأى فيهم كهلا ، رث الهيئة والملبس ، فقير ، أجزم أنه بريء .
  رد مع اقتباس
قديم 07-22-2007, 06:14 PM   #6
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

- 25 -

من خلف القضبان

طلب منه إحضار الطلبة كل صباح أمام العلم للقسم وحضروا ، وطلب أن يحضرهم يوم الإعدام مع تحفيظهم بعض الشعارات ذات الصلة ، فلم يحضروا وكانت حجته عندما سأله عن غيابهم ، أن بينهم صغارا سيتأثرون بالمنظر الغير مألوف لديهم وظن أن ذلك عذر كافي غير أن للمأمور نوايا أخرى . فبينما كان في مطبخ المدرسة يتفقد الطعام ، يفتح قدرا ويغطي آخر للإشراف على الوجبات ، والنفس توّاقة لتناول قليل من أرز ولحم ، جاءه مندوب منصّر في سيارة عسكرية: [ مطلوب حضورك ] . ذهب على الفور ، ولم يقابله المأمور كعادته ، فالمكان محجوز والأمر محسوم . قاده إليه عابس الوجه الآن قائد القوات الشعبية ، الباسم قبلا ، ومن وراء القضبان كانوا يتكلمون معه ، مدير جهاز أمن الثورة وطباخ المعسكر الذي يقدم إليه الشاي عند الطلب . اّعوا أنه لا يلفظ القسم بالثورة كل يوم وإنما يتمتم للخداع ، وليس ما يدعون سبب اعتقاله ، إنما السبب الحقيقي هو غيابه وغياب المدرسين والطلبة عن ساحة الإعدام . مكث أياما لا يدري كيف سيكون مصيره ، ثم أخلي سبيله واستقبله الطلبة والمدرسون استقبال الأبطال . بعد الحبس لازمه الخوف والذعر من المجهول ولقناعته بانعدام الرادع في النفس البشرية خاصة لما يكون صاحبها ثوري ، ماركسي أمّي. إنه وبمجرد خاطرة شريرة من لدن أحدهم ، تنتهي معرفتك بالدنيا وإلى الأبد ، وإن لم يكن فإذلال .
شاءت عناية الإله أن تخفف بعض معاناته ، فقد وصل مدير التربية والتعليم من المكلا فجأة ونزل عليهم ضيفا وهو رجل معروف بكفاءته ومكانته الحزبية والإدارية. فرح بقدومه وشرح له ما يعانيه ففهم وتفهم واقع الحال وطلب منه أن يبقى في الإجازة الصيفية كي لا يفروا الطلبة إلى بعيد ، وطلب من الضيف المسئول أن يبعث إليه مدرسين حددهما بالاسم وهما من أعز أصدقائه .
وصلا الشقيان ـ أحمد ومحمد عن طريق [ ثوف ] ، وذرف الدموع فرحا بقدومهما . الصداقة الحميمة القديمة التي تربط الثلاثة جعلت منهم عضوا واحدا ونموذجا صار حديث الآخرين ، الكل مسئول عن الكل ، ولطبيعة المرح وتوافق الأمزجة مع الصدق دور في العمل وفي تبديد جو الكآبة والحزن وتحويله إلى جو تعالت فيه الضحكات.عادوا بعد الإجازة إلى أهلهم مفلسين من الدرهم غير أن ضحكاتهم تدل على أنهم من السعداء . اقترضوا أجرة السيارة وعادوا سالمين .
في هذه الفترة قدمت من عدن [ خولة ] لتدريب النساء في نادي تسعة يوينو على الخياطة وجاءت بعدها الشّابّة الحسناء لتزورها برفقة ضابط الاتصال وكان شابا وسيما. تجول شابة جميلة غير محافظة بين البدو مثار دهشة ومن المسئولين من يتسابق إلى مصافحتها وسعيد الحظ من تحدث إليها ولو شتمته . فهي من الواجهة الديكورية ابنة سيدة مناضلة ، أخوها من كبار المناضلين راح ضحية انفجار طائرة في الأجواء الحضرمية برفقة عشرين سياسيا ، يقال أنهم صفّوا بطريقة مدروسة ، ومن الواجهة البشرية شابة جميلة جريئة متحررة في صحراء قيدت رجال تواقون إلى حضن دافىء ، فكان المنظر البشع لكل متحضر. فالرجال يتحدثون عنها وعن جمالها والسيارات تقف لمنح الفرصة لركابها أو لسائقها الوحيد أن يتمتع بالنظر إلى جمال في صحراء موحشة . قيل أن صديقها ضابط الاتصال قتل في ظروف غامضة.
***
  رد مع اقتباس
قديم 07-22-2007, 08:00 PM   #7
سالم بن جوفان
شاعر السقيفه

افتراضي

الاستاذ الكبير سالم محمد بلفقيه((الشرقاوي)) حفظه الله ورعاه

لك كل التقدير والاحترام على نقل هذا الموضوع المهم للاستاذ والمؤرخ الكبير سالم علي الجرو
ونتابع ونقراء ما يكتب هنا كلمه كلمه لما فيه من اهميه قصوى اراها هنا ومعلومات كنا نجهلها

لك مني وللاستاذ الكبير سالم علي الجرو كل مودتي وتقديري

اخوك سالم بن جوفان
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
قديم 07-23-2007, 01:00 AM   #8
عمر الحبشي
شاعر السقيفه

افتراضي

قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا........ صدق الله العظيم
فأين أنا منك يا أبا لطفي ... وأين كنت أنا حين كنا..... فلقد كنا وكانـــــــا ..
شكرا .. لك يا شــــــــرقـــــــــــــاوي . نعم لقد أبصرت النور .. الآن ........ ولكن من بعيـــــــــــــــــــــــــد.

وقل ربي زدني علما .. ولا تجعلني من الظالمين .
التوقيع :
ما لذةٌ تأتي بُعيد الملتقى=إلا بهجرٍ طال منه فراقُ
والهجرُ طعمٌ للحياة مجددٌ=للكسب في كل الشئون يذاقُ
فالزم بعين الصبر حيناً تلتقي=ندباً أتت في سيره الأرزاقُ
والروحُ كالبدر المنير شعاعهُ=تصبو له بعد الدجى الأحداقُ
  رد مع اقتباس
قديم 07-23-2007, 01:03 PM   #9
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 26 ـ

في هينن

ذكرها الهمداني في كتابه [ صفة جزيرة العرب ] ، بأنها قرية كبيرة في أسفلها سوق وفي أعلاها حصن للحصين بن محمد التجيبي [ الكندي ] ، وساكنها بنو بدّا وبنو سهل من تجيب . إنها تبدو للناظر قرية لا تختلف كثيرا عن قرى حضرموت إما على سفح جبل أو فوق ربوة أو في مستوى الوادي ، غير أن قرية هينن ، وبالذّات الجزء الشرقي منها ، المسمّى: ( الحزم ) ، ينطق عن ماضي سحيق . كانت فيما مضى تقل سادات وعادات ، بادوا وبادت ، واليوم تقل مجموعة من الفلاحين منظّمين في لجان يرتبطون بمراكز القوى ، تؤرق مجموعة من الملاك يسمونهم: إقطاعيين.
مهنة التدريس ليست سهلة على من لديه حس آدمي مسئول ، لا من حيث إيصال المعلومة إلى ذهن الطالب بل لوظائف أخرى بالغة التعقيد ، وسهلة على مدرس ناجح يحب عمله . كل مدرس يجب أن يكون تربويا ، ملما بعلم النّفس ، فهو مؤتمن على تشكيل عجينة ، ومسئول عن نشأة طفل في المراحل الأولى من حياته حيث تتوقّف عليها سلامته وتكوين شخصيته في اتجاه حسن سيرته في حياته ، فكان وبعض زملاءه خاصة أولائك الذين تخرجوا من معهد التربية أو ممن اجتازوا دورات تدريبية طويلة ومكثفة في مجال التربية والتعليم من الذين يحبون عملهم ويحبون الطفل أيضا .
في القرى النّائية يأتون الأطفال إلى المدرسة من مسافات بعيدة في حرارة القيظ وبرد الشّتاء ، وعلى المحيى ترتسم المعاناة شيء بسبب الطبيعة القاسية وشيء بسبب إهمال الأهل .
عليه ـ كما درس ويرغب ـ أن يتعامل مع الًصغار في الصّفّ ويراعي الفوارق الفرديّة ، وعليه أن لا يكون القطب الإيجابي دائما وهم القطب السّلبي ، فتارة يدع الإيجابية في اتجاههم لتحفيز قدراتهم واكتشاف مواهبهم ، والأغلب أن يكون المدرس هو القطب الإيجابيّ لإيصال المعلومة . المهمّ في المسألة مشاركة الصّغار في الاستنباط ولو بالإشارة إلى الجزيء . وعليه أن يدرس حالة كلّ طفل على حدة ليبعده عنه همّ أو عقدة ، وهذا لن يتأتّى إلا بتعاون المنزل مع المدرسة ، وهذه إحدى المعضلات التي أرّقته مع قلّة من جنود الظل في هذا المضمار خلال سنوات التدريس ، ذلك أنه لم يستطع تحقيق ما كان في المخيلة. فالأهل تغلب على معظمهم الأمّية ، ولغياب الوسائل التعليمية دور في الإعاقة . يؤرّقه كثيرا السلوك المشين لبعض الطّلبة بسبب البيئة المحيطة بهم. من الذين يعارضون ـ وبقوة ـ القائلين بأن العصا تساعد على التّفهيم ، وإنما العقاب من أجل سلوك خارج عن الآداب أو للإهمال ، أما أن يضرب الطالب بالعصا من أجل أن يعي الدرس ، فتلك جريمة.
كان يضحك في حزن ، عندما يسمع أمّ تلعن ابنها أو أب يتّهم ابنه بما ليس فيه من شذوذ ، ذلك أنّه حفظ بيتين من الشعر ، فكانت له نبراسا .
الأمّ مدرسة إذا أعددتها= أعددت شعباً طيّب الأعراقِ
***
وينشأ ناشئ الفتيان منّا = على ما كان عوّده أبوهُ
كان يفتخر ويشعر بالغبطة للنجاح الذي يتحقق في مجال التعليم فقط ، فكلّما كانت نسبة النّجاح عالية كلّما زاد غبطة ، وينزعج من نتائج الجانب التربوي لأن الشركاء أخفقوا في مهمّتهم ، وبالذّات المنزل والشّارع:
متى يبلغ البيان يوم تمامه = إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ
[ إنّ الثّقافة والتّواضع واللطافة تعدّ أعظم الصّفات التي يمتلكها معلّم موهوب لكي تسهل عليه تجربة التّعلّم الجميلة ] .
كيف يمكن لمجتهد أن يحقق برنامج عمله وهو أمام مضايقات؟ . كثيرة هي المضايقات والمنفرات ومن من؟ من لا يعرف دور المعلم في التنشئة ولا يعرف من هو الطفل الذي يجب أن يكون قياديا في المستقبل ، فاعتنقوا مبادئ غاب عنهم جوهرها ، فوظفوا البراءة في أعمال خسيسة ولوثوها بأساليب ومعان سوقية . لم نجد في روسيا والصين غير أطفال مبدعين والفكر والمبدأ واحد ، ولكن براءة أطفال البلاد الشقية استغلت من لدن أشرار فجروهم إلى الشر. في هذه الديار دبرت مكيدة لمدرس شريف ، ومن هذه الديار قرر المغادرة والعيش في المجر.
عانى ومن معه من الجادين ، المحبين لأعمالهم الأمرّين من عضو الرّقابة ، الذي يسميه: [ عضو الشقابة ] ، وهي باللهجة المحلية تعني: [ النحس ].
يعيّن من بين أعضاء التّدريس شخص يقوم بمهمّة الرّقابة ، ويسمّى عضو الرّقابة ويكون منتمي للحزب أو لمنظّمة [ أشيد ] ، الاحتياطي الأمين للحزب . هؤلاء الأعضاء أضرّوا بالتّعليم ، فأوّلا ليسوا مؤهّلين ، وثانيا: يركزون على أمور تافهة كأن يدّعي بأنّ المدرّس يستغرق طباشير كثيرة ، وإن ارتقى في الأداء ادّعى أن المدرس خلال شرح الدّروس لا يشير إلى مكتسبات الثّورة . احدهم رفع تقرير ضدّه جلّه كذب وافتراء ، ومن ضمن الإدّعاءات أنّه دخل الفصل بعد خس دقائق من قرع الجرس وأنه يسخر من أعضاء الرقابة بطريقة غير مباشرة ، لأنهم يعبرون عن الحزب وأنّه قام برحلة بمفرده إلى جهة غير معلومة وكلام هابط كثير.
إلى هذه القرية جاء الرجل العاقل [ عيضه ] ليخبره عن قرار الخطف له من قبل جهاز أمن الثورة وأقسم يمينا أنه رأى صورته في البطاقة الحمراء ، ولما أنه يطلع على أمور كهذه ويعرفه جيدا تدخل ، وتأجل الخطف وحكم الإعدام حتى يتم التأكد مما نسب إليه ، وهذا يتطلب نقله إلى قرية أخرى تسمى [ الفُرُطْ ] ، حيث كثافة مراقبي هذا الجهاز الممقوت . طلب منه عيضه كتمان السر حتى لا يتعرض لمكروه . في اليوم التالي وصل من قعوضة [ عمر ] على دراجة يطلبه . [ عمر ] ، عضو اللجنة الشعبية بقعوضة يطلب منه الحضور والمثول أمام اللجنة بناء على طلب من رئيس اللجنة ورئيس الحي ، لتنفيذ الحكم الصادر ضده قبل عام [ سجن وغرامة ] ، وبطريقة أو بأخرى ابتعدوا عنه لأنه تحت المجهر أي تحت رقابة وداخل في القفص ، والأمر يتوقف على ما سيقوله أو يفعله من الآن فصاعدا ليتأكد قول عيضه أو قول من كتبوا عنه كذبا وافتراء .
في اليوم الثالث جاء قرار النقل إلى قرية أخرى قريبة جدا من عاصمة المديرية حيث توجد إدارة جهاز أمن الثورة . انتقل طائعا يحذوه الأمل في نجاته أو هلاكه ، وكل ذلك يتوقف على أمانة المراقب . رغب في إفضاء السر إلى صديقه أحمد ولكن تعهده لعيضه جعله يمسك عن الكلام ، وله في أحمد أسوة ، فعندما سجن مع صديقهما محمد ، وشاب ثالث بحجة أنهم ذهبوا إلى وادي دوعن لغرض البلبة والعمل ضد الثورة ، وهم في الحقيقة ذهبوا لحضور حفل زواج هناك . أرسل في ناي وفي الزنزانة تحول أحمد إلى هاوِ فسمّع أعذب الألحان ، وبعد إطلاق سراحهم اشترى عودا ليتعلم العزف ، ولما صار هو في حال لا يحسد عليه قرر شراء عود ليتعلم العزف أيضا ، والفرق بينهما أن أحمد حفظ عوده في بيت والده ، وهو حمله على كتفه متنقلا بدراجته النارية القديمة من مكان إلى آخر . ليس مباليا بما يقال عنه ، فالأرض أرض الله والعود عوده وهو حرّ في كتفه يعلق عليه ما شاء إلا الممنوعات ، ولا أحد من هؤلاء سيدفع القسط الثقيل من قيمة الدراجة التي حجزوها ذات يوم .
استدعته لجنة هينن بخطاب رسمي للمثول أمامها للتحقيق معه حول معرفة قديمة برجل كان سائق حراثة زراعية يملكها أبوه في ايام العز ، وسألوه منذ متى تعرفه ، وأي حديث دار بينكما ، وهل تعرف فلانة ؟؟؟ .
انتهت السنة الدراسية بسلام إلا من اتهام بأنه زنديق يحمل عوده على كتفه والناي تحت الحزام . قرر التقرب من شرير في قريته لعل وعسى يصحو ضميره ، ومن جهة أخر تصالح مع القرية التي لا يحبها لكثرة الغيبة والنميمة والثرثرة البلهاء ، ولشعوره بالفرق بين طعم العذاب أو الموت وأنت بين عشيرتك وبين أن تكون بعيدا عنهم .
  رد مع اقتباس
قديم 07-26-2007, 04:04 PM   #10
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

27 -

بين العشيرة

وأعرض عن ذي المال حتى يقال لي = قـد أحدث هـذا نخـوة وتعظما
وما بي كبر عـن صديق ولا أخ = ولكنـه فعلـي إذ ا كنت معدمـا
لا احد يستطيع تحديد ملامح الصورة بدقة غير الذي يعاينها عن قرب ، وقليلون لا يدرون عن عذابات النفس في قرية يهتم أهلها بالنوافل ويتساهلون في الفروض . يكون الجدل حادا وساخنا حول ميت له سن من ذهب أو ملبس بذهب: هل انتزع الذهب أم دفن معه؟ ، وعلى من تقع تبعات حريقه بالنار يوم القيامة ، عليه أم على الذي ترك سنه يدفن معه؟ . ومن القضايا الأخرى ذات السجال والحوار الساخن مشاهدة التلفزيون حرام أم حلال ، ولكن البعض يقاطع البعض فتتقطع الصلة بالأرحام وبذوي القربى ولا من جدال هنا أو نقاش ، ويأكل الأخ بملعقة من ذهب وإلى جواره أخيه أو أخته أو ابنة عمه تقتات على الزكاة وعلى الصدقات ولا من سجال أو حوار أو نقد أو توجيه لوم. ليس هذا فحسب بل لو توجهت إلى منزل امرأة لتهب لها ما يعينها على نوائب الدهر تبتغي مرضاة الله لاتهمت بالفسوق. والأدهى والأمر أن تجد خطيب المسجد يبتلع أموال غيره ظلما وعدوانا ، ولا من نقاش. أما أن تجد مصليا جدد وضوءه وطهارته بعد مصافحة المرأة فذاك أمرا محببا بل واجبا غير أن أحد لا يجادل من كان يصلي وهو ينظر إلى عجز امرأة تسير في الطريق . العذاب جاء من محاولة فهم أشكال وألوان الإستعمار حتى لا تتصاعد أنات القلب الدامي فيحدث النزيف القاتل ، فلا أحد يعنيه فهم ذلك غير الغارقين في هكذا جدال وهكذا شكوك.......
إنتقل إلى مدرسة لا تبعد كثيرا عن قريته ، وسكن مع ذريته في أحد البيوت المؤممة ، ابنته في الثالثة من عمرها والابن في الشهر العاشر ، ولا يملك من الأثاث غير بساط بالي وكان لا يبالي بما يقال عنه وعن فقره وعوده والناي الذي أزعج به الآخرين دون أن يدري ، لكنه حزين لعدم مقدرته على شراء علبة حليب [ نيدو ] لطفله الكثير البكاء ، والذي ملّ الماء المحلّى بالسكر . كان راتبه لا يغطي التزاماته بدفع قسط من قيمة الدراجة النارية ، وقسط آخر من قيمة العود العراقي ، أما النّاي فلحسن الحظ تنازل صاحبه عن القيمة ، وأختصه بعد ذلك بالتحية الحارة من بين الملأ . إنك لو أبصرته حينها لظننت أنه من كبار أغنياء القرية ، وذلك دأبه فكلما خلا جيبيه من الدرهم كلما ارتفعت الهامة . لم يجد بدّ من الذهاب إلى صاحب الحانوت الذي يطالبه بسداد ثمانية عشر شلن [ ثلاثة دولار ] دين عليه منذ أمد ، فجمع قواه ودخل عليه محطما الحواجز بتحيته المجلجلة وكأنه قادم من صالة أفراح ، وهو في واقع الأمر في حال لا يحسد عليه ، فطلب منه في توسل أن يكتب عليه ما يشاء وسيقوم بالسداد فور استلام الراتب ، فقط ، يعطيه الآن علبة حليب فأبى متوعدا بأن يشكوه إلى ثالث إن لم يسدد ما عليه . عاد منكس الرأس إلى البيت حزينا تتساقط دموعه ، وكلما نظر إلى طفله والماء المحلى نظر إلى العود ومن سيشتريه منه في هذه القرية التي ترى في من يحمل العود أو يغني زندقة وسفاهة وانحطاط . شكا الحال إلى أحد الأقرباء وأبدا شهامة فتحرك على الفور نحو بيتهم وعاد بحليب يكفي لعشر وجبات مصرور في قطعة قماش بالية ، سرقه من علبة شقيقته . طار إلى البيت فرحا وكان اليوم ذاك بمثابة عيد . هذا وهو بجوار الأهل والعشيرة .
لا تعجب إذا ما لقيت حضرميا يأكل بملعقة من ذهب وإلى جواره شقيقه بالكاد يحصل على تمر يكفيه لعام ، على أن الأول لا يعرف الشوربة إلا في رمضان في حين الشوربة عند الشقيق الجار تعد وجبة رئيسة . ليس ذاك من كراهية أو بغضاء أو شح ، وإنما تعود إلى حسابات أخرى ، أهمها: أن لا تشجع الكسول على الخمول ، فهم في جهة أخرى يتصدقون على الغير ، يعطون بسخاء ويكرمون الضيف ، لكن موضوع الرحم عند الكثير مسألة فيها نظر.
خلال هذه المعاناة كان سالم يأتيه إلى البيت ويتوعده بإجراء ثوري إذا لم تحضر زوجته الاجتماعات أسوة بنساء القرية ، ويسأله بتبجح: [ هل زوجتك من الملائكة؟ ] ، أما صالح فكان يعترضه دائما ويسأله: أين كنت البارحة ؟ ومن ذاك الذي زارك بالأمس؟ ، ولماذا لا تتطوع وتعطي دروسا في محو الأمية ؟ . إنك لم تحضر المبادرة الجماهيرية ، لماذا؟ . ولسعيد مهمة أخرى يقوم بها في صمت ، وجميع هؤلاء يلتقون بعوض وعبد الله ، الأول في جهاز أمن الثورة والآخر عضو بارز في اللجان الشعبية ، والاثنان ، على اتصال دائم بعاصمة المديرية ، وبذلك تكون الحلقات مكتملة ومنه تحت المجهر مصيره على كف عفريت .
طلبه عبد الله ذات ليلة ليشرح كتيب يتحدث عن تاريخ الكفاح المسلح للجبهة القومية ، في اجتماع العمال والفلاحين. في اليوم التالي طلبوه في عاصمة المديرية وجرى التحقيق المضني . لقد أخبرهم عبد الله في تقريره المعتاد بأنه نسب مرحلة الكفاح المسلح إلى جبهة التحرير وليس إلى الجبهة القومية ، ولو صدق هذا فإن حكم الإعدام وارد لا محالة . دافع عن نفسه وتوسط له من يعرفه ، وكان عبد الله يعزز قوله بشهادة المجتمعين ، والمجتمعون لم يفقهوا شيئا مما قال وسيشهدون للقوي .
يجمعون نساء القرية الأميات ، المجهدات ، المتواضعات ليعطوهن دروسا في الاشتراكية العلمية وما هو الدور الذي يجب أن تلعبه في مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية . إنك لو اختبرت امرأة واحدة في نطق الجملة إياها لاستغرقت ساعات ولضحكت وبكيت .
ثلاثة يلزمك المشاركة فيها وإلا.........
الأولى: المبادرة الجماهيرية ، وتكون إما حملة لبناء مركز صحي أو مدرسة أو تعبيد طريق أو توسعة قناة تصريف مياه السيول .
الثانية: حضور الاجتماعات رجال ونساء .
الثالثة: حضور المهرجانات الاحتفالية والخطابية بعيد الثورة ، عيد الإستقلال ، عيد العمال ، ذكرى الحركة التصحيحية ، ذكرى الانتفاضة ، ذكرى ثورة 26 سبتمبر ، يوم النداء العالمي للعمال ، بمناسبة زيارة مسئول ....الخ . فإن كانت مبادرة جماهيرية فالرقابة مسلطة على ذوي اللبس النظيف ، وإن كان اجتماعا فالعين الحمراء تجاه الذين لا ينتمون إلى التنظيم السياسي ، وإن كان مهرجانا فالجرد عند الشاحنة التي ستقل المشارك من يركب الشاحنة ومن يرفض ، وحتى الشاحنات التي تنقل المشاركين من القرى تعود لأهالي يطأطئون رؤوسهم علامة الموافقة عند كل طلب لسياراتهم . إنه التسخير للإنسان والآلة بدون تشاور أو تفاوض . أمر وكفى!
كم حفظوا من شعارات وأناشيد أمليت على عباد الله وهم في الشاحنات في الطريق إلى موقع المهرجان ، منها:
يا سلام ثوري على جيش شعبي عندهم للخصم قطع النفـوس
يزرعون الأرض يحموا مكاسبها ويمسوا في المتارس حروس
وكثيرة الأناشيد التي يرددها المرغمون على الحضور.
هكذا يبدو في ساعات اليقظة خائفا من المجهول وإن كان يؤمن بالمقولة الحضرمية: [ لا تسرق ولا تخف ] إلا أن كيد وعيب وفجور الإنسان أكبر وأقوى تأثير ولو كان سهم واحد لاتقاه ولكنه ثانٍ وثالث ورابع . إن عيب وغدر وفجور الإنسان يمسخ كل جميل ويكدر صفو الحياة ويغتال البراءة .
إنه يتكلم بعفوية وتلقائية مدركا لتفاصيل ما يدور حوله ، بعيدا عن حسابات سوء الظن والشك إلا ما كان منه واضحا وجليا أو هناك علامات ودلائل تدعو إلى ذلك ، وليست قاعدة لديه التعامل بسوء الظن في كل ظرف وحال ، وإن للعفوية حسنات وفوائد ذلك أنه يقرأ أحيانا في عيون من يحادثهم من أولئك المهابين قليل من الاعتراف بحقه كخلق من مخلوقات الله ، كأن يبادر أحدهم أو ما شاء الله إلى مد اليد للمصافحة وينصتون إليه حتى يفرغ من كلامه . إلا أنه يخاف المجهول: [ حتى إذا رأى غير شيء ظنّه الرجلَ ] ولعل ذلك يعود أيضا إلى الترويع وقسوة هؤلاء في تعاملهم مع اللاتنظيمي ، أي اللاحزبي ، الذين قست قلوبهم على ملاك الأراضي ممن سموهم إقطاعيين وهانت عليهم رقاب آخرين ، ولم ووالده كان ميسور الحال يملك أرضا زراعية تقترب مساحتها من مساحة استراحة صغيرة في بلد نفطي ، استنزفته مالا وجهدا وزمنا . عمل في المزرعة في عطلة المدارس ولا فرق بينه وبين أجير آخر وكان من الذين يرددون الهتافات في مسيرات طلابية وراءها ثوار: [ لا إقطاعي بعد اليوم ، يا فلاح إرفع رأسك ] [ يا إقطاعي يا جبان هذه أرضي من زمان ] ، وكيف له أن ينسى ما رواه شهود عيان عن سحل لرجال أحياء تقطعت لحومهم وتناثرت .
كثيرة هي المكائد والوشايات التي ابتلي بها أبرياء ، فمنهم من قتل ومنهم من عذب وأذل ومنهم من اختفى من قبل زوّار الفجر ولم يعد له أثر فأدرج في عداد القتلى ، إحداها تلتك التي وقعت على زميله في التدريس [ نجيب ] ، فبعد الحصة الأخيرة غادر المدرسة في طريقه إلى قريته ، آمنا مطمئنا ، متخذا ذلك الطريق الترابي الذي يمر بين أشجار النخيل في سهل يفصل القرية الأثرية الواقعة على سفح جبل عن كثبان الرمال في الجهة الجنوبية حيث قريته . كمين خطط له أطراف من التنظيم الحاكم ليغتالوا شرفه وسمعته ، لأن نجيب لم يكن من ذات الشلّة ولأنه ذكيّا ويعتقد هؤلاء بأن له انتماء إلى حزب آخر بناء على تقارير شفهية يقولها أمّيون ، سندها أن نجيب يقابل أناس كثر ليسوا في الحزب ، وبأنه لا يحضر اجتماعات الفلاحين ، وبأن أخواله وإحدى عمّاته يعدون من الإقطاعيين ، وهؤلاء بالضرورة هم من أعداء الثورة .
جعلوا من طالب وسيما ـ اختاروه لمهمة قذرة ـ وسيلة لاغتيال الشرف وتحقيق مطلب دنيء هو حرق كرت نجيب ، فأوقفوا الطالب في طريق أستاذه ونفذ هذا البريء المسكين التعليمات بدقة وما أن اقترب نجيب حتى صرخ هذا المتدرب ، فأدركته النجدة من بين أشجار النخيل ، وكانت مهيأة للانقضاض على الأستاذ البريء مدفوعة بالكراهية والحقد فكبّلوه وأذلوه وأودعوه السجن وواصلوا إذلاله والتشهير به بحجة أنه رواد الطالب في نية منه لعمل الفاحشة . طعن نجيب في شرفه وحقق أولئك رغبتهم الدنيئة ، وكان الصدمة قوية على نجيب الذي راح يبحث عن فضاء يعيش فيه فالأرض ضاقت عليه بما رحبت فهاجر بعد انقضاء فترة الجبس إلى بلغاريا واختار على أرضها المقام وتزوج بها وأنجب متناسيا أهله ووطنه وناسه .
وقبل نجيب اختفى زميله في الدراسة ولم يعد له أثر.............
هؤلاء قست قلوبهم أكثر بين عشية وضحاها وعملوا على قاعدة: [ من لم يكن معنا فهو ضدنا ] ، فسعوا بعنف إلى تغيير جذري نال السلم الطبقي لمجتمع الأرياف فأثروا معيشيا واجتماعيا وثقافيا بعد انتزاع الملكية ، فهم لا يؤمنون بما درج عليه البشر من تعامل يقوم على الود واحترام الملكية الخاصة على أساس من الإعتراف بحق الآدمي بالسعي في أرض الله والتملك مع مراعاة النبل والفضائل والشفقة ، قاعدتهم في التعامل: [ العنف الثوري المنظم ] الذي جاء عنفا ووحشية ولكنه غير منظم ، وكانت وسيلة المؤلفة قلوبهم من الحزبيين أن يتقربوا زلفى إلى رؤسائهم بقرابين يكون الكذب فيها والخداع والوشايات الكيدية أهم وثيقة إدانة لرجل بريء . هؤلاء الثوار ازدروا وحقّروا من لا يتحزب معهم ويؤمن بالفكر الماركسي فمن ليس معهم فهو ضدهم. ومن سوء طالعه أنه ابتلي بشاب عين مدرسا ، خريج متوسطة عينه الحزب الأحمر عضو رقابة في هيئة التدريس المكونة من أربعة ثلاثة منهم مؤهلين في مجال التربية والتعليم والرابع خريج متوسطة عيّن عضو الرقابة الذي يكتب بليل مكلف بتنميط من حوله ، وفي خلوة كان يسرف كثيرا في تحرير الجمل المروعة التي تقود إلى نكبات وتتسبب في هلاك أبرياء يطمحون في الحياة كأي آدمي عاقل ، منها الاختطاف والاختفاء النهائي ، كجملة: [ قوى الثورة المضادة ] ، [ طابور خامس ] ، [ عدو الثورة ] ، وكلمة: [ مبلبلين ]. كان يؤمن بالثورة ، ولكنها الثورة التي تقف ضد الظلم والبغي وتقوم على العدالة وتطفح آدمية ، ويحترم الثوّار لكنهم الثوّار الذين يبّرون بالأهل وبالوطن.
***
منذ أمد كان يفكر في الهروب من بلاده التي أصبحت شقية ولكن عبر الطرق الرسمية والشرعية كأن يدعي رغبته في تأدية فريضة الحج أو أن يشكو من مرض عضال يقتضي علاجه خارج الديار ، واستغل شظية القنبلة التي لا تزال عالقة في الوجه بالقرب من عصب إلا أن التقرير الطبي استبعد خطورتها ورأى أن لا هناك داعي للسفر إلى الخارج ، فاستسلم وهو في هم وغم من أمره حتى جاءت الأحداث الدّامية في عاصمة الدّماء وقتل رئيس البلاد الذي نعتوه بالخيانة بعد أن حفظ الأطفال أراجيز وقصائد تشيد به وبثوريته ونزاهة نضاله .
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسر ضحايا 13 يناير تقدم اسماء ضحاياها لمجلس الامن والمحكمة الدولية؛؛؛؛؛ الخليفي الهلالي سقيفة الحوار السياسي 11 06-02-2011 02:35 PM
سالم الجرو والتحرش بكتابة التراث الشعبي والتاريخ الحضرمي الدموني تاريخ وتراث 10 04-19-2011 10:18 PM
هل نحتاج لانقلاب ليُصلح الحال سالم محمد باعباد الســقيفه العـامه 49 03-01-2011 07:39 PM
الحضارم السلفيون ابوسعدالنشوندلي سقيفة إسلاميات 0 12-12-2010 02:24 PM


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas