7 يوليو وثقافة الانفصـال .........!!!

[أبوعوض الشبامي]

.

غدا يصادف ذكرى غزو الجيش الشمالي على مناطق في حضرموت والجنوب ، وقبل الحديث عن دعواة الانفصال وتاريخها الحديث في حضرموت والجنوب علينا الدخول من الناحية التاريخية ، فمن المعروف أن شعوب جنوب الجزيرة العربية تنقسم إلى اعراق قبلية وشعوب مختلفة ، فالنقوش القديمة السبئية والحضرمية والمعينية والقتبانية والحميرية كانت تطلق على كل اتحاد قبلي كبير مسمى (( شعبم )) أي شعب ، فجاء فيها (( شعب سبأ ، شعب حضرموت ، شعب حمير ... الخ )) ويقول المؤرخون أن كلمة شعب هي كلمة أو اصطلاح خاص بأبناء جنوب اجزيرة العربية ، وقد جاء ذكره في القرآن في الآية التي قال فيها تعالى (( إنا خلقناكم شعوبا وقبائل للتتعارفوا )) وألشعب في الجاهية وعند الجاهليين، هو القبيلة. فالقبيلة هي أصل الدولة ونواتها ، يقول الدكتور جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام :

(( ويعبر عن القبيلة بلفظة "شعب" في العربيات الجنوبية. فالقبيلة والشعب إذن لفظان مترادفان على معنى واحد. الشعب بمعنى قبيلة في عربية القرآن الكريم، والقبيلة بمعنى شعب في العربيات الجنوبية. ولكن علماء العربية يفرقون بين اللفظتين، فيجعلون الشعب أكبر من القبيلة. والظاهر ان هذا التفريق قد وقع في الجاهلية القريبة من الإسلام، ونجده في القرآن الكريم في آية الحجرات: )وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم(. فذكر المفسرون ان الشعب أكبر من ألقبيله. غير ان كثيرا من علماء العربية يرون أن الشعب والقبيلة في معنى واحد.
وقد وردت كلمة "شعب" في الكتابات السبئية بمعنى قبيلة كما ذكرت،فورد: "شعب سبا"، بمعنى قبيلة سبأ. وورد "سبا واشعبهمو" بمعنى "سبأ و أشعبهم"،أي السبئيون وقبائلهم، ويراد بقبائلهم القبائل الأخرى الخاضعة لهم. ويرى بعض الباحثين في العربيات الجنوبية، ان لفظة "شعب" لا تعني عند العرب الجنوبين معنى "قبيلة" بالمعنى المفهوم من اللفظة عندنا، بل تعني جماعة ترتبط بالدولة وبالآلهة: آلهة الدولة ارتباطا ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. فإذا قلنا شعب سبأ "شعبن سبا"، فإننا لا نقصد القبيلة سبأ، بل أمة سبأ، أو شعب سبأ بالاصطلاح الحديث )) .

ويؤكد المؤرخون ان الدولة الحميرية قامت في جنوب الجزيرة العربية على انقاض ممالك سبأ وحضرموت وقتبان ومعين التي عرفت بتقاليدها النظامية في ادارة ممالك اقتصادية كبيرة ذات تشريعات راقية ، وكما هو معروف عن القبائل الحميرية انها قبائل ذات ميول عسكرية وقتالية وفوضوية تكره النظام وتخالفه ، ذات نزعة للإستقلال (( الانفصال )) الدائم عن الدولة المركزية ، ولها طموحات ضيقة ونظرة سياسية قصيرة الأفق ، من هذه القبائل التي تنتسب الى حمير في حضرموت قبيلة (( سيبان )) و (( يافع حضرموت )) أما في المحافظات الجنوبية كمحافظة ابين ولحج فإن معظم تلك القبائل تنتمي الى (( شعب حمير )) وتلتقي في نسبها بحمير مع بقية قبائل اليمن الأسفل وهي التي تعتنق المذهب الشافعي .

لهذا لو حللنا نزعات دعاة الانفصال عن الحكومة المركزية عبر التاريخ القديم والمعاصر نجد دعاته ينتسبون الى (( شعب حمير )) والحميريون لهم الفضل عبر التاريخ الى اشاعة ثقافة (( الانفصال )) لأنهم جلبوا العيش في حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ورفضهم لمفهوم الدولة الواحدة والقوية والمستقرة ، وجلبوا على الإقتتال بسبب أو دون سبب ، ذلك أن دافع الشهوة للجاه والسلطة مغروسة فيهم. ثم إذا تولوا السلطة لم يحسنوا إدارة شؤونها ، وحال عجزهم اتهموا بعضهم البعض بالتآمر والخيانة والفشل ، فتنازعوا ولجأوا الى التآمر فيما بينهم البين حتى تتفجر الأوضاع يحتكمون للسلاح وليس للحوار والعقل .

من تلك المقدمة التاريخية التي تعبر عن رأيي الشخصي ، لا يعقتد البعض أن دعاة الانفصال خلقتهم ظروف حرب صيف 1994 بين شهري مايو ويوليو بين الحكومة اليمنية في صنعاء والحزب الاشتراكي اليمني في عدن بل أن دعوات الانفصال هي عقدة عند (( القبائل أو شعب حمير )) أي الذين ينتسبون الى قبائل حمير في جنوب الجزيرة العربية .

تعالوا نستقرأ وثائق من عصرنا الحديث ، منها مثلا أن الدولة القعيطية بالمكلا حكامها ذوي اصول (( يافعية )) كانت تصر على انفصال حضرموت عن بقية امارات الجنوب ، ورفضت الدخول ضمن اتحاد امارات الجنوب العربي ، ولكن الانجليز في عدن كانوا يدركون جيدا ابعاد اللعبة السياسية المخطط لها لمستقبل الجنوب ، فلاعجب أن نقرأ في صحيفة (( الأيام )) عدد 1160 تاريخ 19مايو 1962م تصريحا لحاكم عدن السير شارلس جونستون يقول فيه : (( سيأتي اليوم الذي ستصبح فيه حضرموت جزءا من الجنوب العربي ))

CENTER]

وفعلا حسب ما خططت بريطانيا له وكما جاء على لسان حاكمها أن اللعبة السياسية البريطانية تمضي وتهيأ أن يكون أي كيان سياسي قادم لا بد أن تكون حضرموت جزءا من الجنوب العربي ، فكانت حضرموت جزءا من جمهورية جنوبية يمينة صنعتها بريطانيا قبل انسحابها عام 1967م .

وتعزيزا آخر لذلك المدخل التاريخي الذي تحدثنا عنه حول ثقافة الانفصال عند شعوب حمير بما فيهم ابناء محافظات لحج ... الضالع.... وابين ... تعالوا نستقرأ ما جاء في صحيفة (( الأيام )) عدد 1165 تاريخ 25مايو1962م يقول الخبر الصحفي (( حركة انفصالية في امارة الضالع تستهدف قيام ولاية جديدة )) والخبر كما هو موجود أمامكم في هذه الصورة والتي تعد وثيقة هامة على هذا الجيل الذي لايعرف عن تاريخ الحركات السياسية في جنوب الجزيرة العربية أن يستخلص معنى من معاني (( ثقافة الانفصال )) والتي خصت بها هذه المناطق وهذه القبائل ذات الاصول الحميرية . ما جاء في هذه الصفحة يعزز ما ذهبت إليه سابقا فلنقرأ بتمعن :


[/CENTER]

ولازلنا مع وثائق(( ثقافة الانفصال )) التي بشرت بها (( القبائل الحميرية )) ومن والاها لمصالح سياسية .. !! ويا لسخرية الأقدار حين نستقرأ أن الحزب الاشتراكي الذي يهيمن على مفاصل قواته العسكرية وقرارته السياسية ، ابناء القبائل من تلك المحافظات التي جل سكانها من (( شعب حمير )) القبائل الحميرية ، ومن ولاها من مرتزقة المتسلقين على المناصب السياسية ، كان يصر في شعاراته السياسية أن النضال من أجل تحقيق الوحدة اليمنية هدف من اهداف الحزب ، وتلك الشعارات كانت مجرد الإستهلاك المحلي فقط ، وحين أنهارت المنظومة الشيوعية (( السوفيايتة )) فر رفاق الحزب الاشتراكي نحو صنعاء لإعلان الوحدة ، ليس حبا في الوحدة ، ولكن كان الاحتماء بها ، وبعد حين حركت نوازع (( ثقافة الانفصال )) تلك القبائل التي تنسب الى (( شعب حمير )) وخاضت حرب الانفصال من جديد ،،،،، ولكن من سخرية القدر أن من يدعي الى الإنفصال يتهم غيره بالانفصال .
تعالوا وطالعوا معي ما جاء في صحيفة (( الشرارة )) عدد 852 تاريخ 2مارس 1994م أي قبل (( حرب الانفصال بثلاثة اشهر )) جاء في الصفحة الأولى من الصحيفة التي هي لسان الحزب الاشتراكي في حضرموت ما يلي تحت هذا العنوان الكبير (( القوات الانفصالية ورموزها المتنفذة تواصل الارهاب والتقطع ضد المواطنين )) من هي رموز الانفصال ؟؟ ومن هم هؤلاء المتنفذين ؟؟

عزيزي القاريء الا توافقني ان ما تقرأه اليوم في صحف السلطة والمؤتمر الشعبي الحاكم في صنعاء من عناوين واخبار عن مثل هذا الارهاب والتقطع يجعلك تضحك من لعبة السياسة القذرة ويجعلك تقول :

التاريخ يعيد نفسه ... وثقافة الانفصال ودوراته هي موروث حضاري في جنوب الجزيرة العربية ....!!


.


.