09-01-2009, 01:34 AM
|
#1
|
حال جديد
|
الحياة الدينية
الحياة الدينيه
حينما نتتبع ملامح الحياة الدينية في منطقة عسير لا نجد إلا ما رصده الرحالة الذين زاروا الحجاز وبعض أحواز بلدان تهامة و السرو لواقع الناس الاجتماعي والديني بعيدا عن استيعابهم ومعرفتهم ، وحيث أنهم كانوا يفدون إلى مكة من أجل الحج والتجارة ونحوهما فإن أولئك الرحالة قد رصدوا طرفا من حياتهم الدينية ، ومن أولئك الرحالة :ابن بطوطة الذي قال عنهم :
لهم صدق نية ، وحسن اعتقاد وهم إذا طافوا بالكعبة يتطارحون عليها لائذين بجوارها متعلقين بأستارها داعين بأدعية تتصعر لرقتها القلوب ، وتدمع العيون الجامدة ، فترى الناس حولهم باسطي أيديهم مؤمنين على أدعيتهم ولا يتمكن لغيرهم الطواف معهم ، ولا استلام الحجر لتزاحمهم على ذلك .
وبمثل ذلك وصفهم ابن جبير في موسم حج عام 579 هـ .
و لقد تنبه لأثرهم فيمن شاهدهم في عصرهم ، أو في معرفة أسلافهم : ابن بطوطه نفسه و ابن جبير أيضا فقالا : " وذكر أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يتحرى وقت طوافهم ، ويدخل في جملتهم تبركا بدعائهم ". وأضاف ابن بطوطه إلى ذلك قوله " وشأنهم عجيب كله ، وقد جاء في أثر : " زاحموهم في الطواف فإن الرحمة تنصب عليهم صبا " ، وقال ابن جبير في شأنهم أيضا : " وعلى ما وصفنا من أحوالهم فهم أهل اعتقاد للإيمان صحيح ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم وأثنى عليهم خيرا ، وقال : علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء " ، وأضاف : ودعاءهم : " كثير التخشيع للنفوس " .
ولنا أن نتصور حال هؤلاء الحجاج السرويين في مظهرهم الإيماني الصادق يطوفون بالبيت العتيق شعثا غبرا ، عليهم ظواهر الخصاصة والفطرة ، تلوح في وجوههم دواعي الشقة وبعد المزار ، في بساطة و يسر حتى إذا طافوا بذات الستار أجهشوا بالبكاء وتعالت أصواتهم المؤمنة الصادقة ، هنالك تفيض مشاعر الحجيج معهم فيسعدون لرؤيتهم ، ويؤمنون على دعائهم ، إنها صور إيمانية يظهرها الحرم المكي الشريف بقدسيته وطائفيه ، لك أن تشهد الحجيج في مرأى واحد وهم يشيرون بأصابعهم ، ويبصرون بأعينهم ليقولوا هؤلاء : عرب السراة بفطرتهم ، وصدق إيمانهم .
ولعل أهم ما يطالع الباحث في مصادر حياة هذه الأجزاء من جزيرة العرب واقع الناس المذهبي ، وما كانوا عليه من مذهب ديني مستقل ، فمن الواضح : أن أهل السراة : " منذ ظهور الإسلام إلى نهاية القرن الثاني الهجري يقومون بعبادة الله حسب ما شرع الله ورسوله ، عقيدتهم التوحيد الخالص النقي من الخرافات والبدع ، فلم يظهر فيهم مبتدع ولا متشيع ولا منحرف " ، ومن بعد هذا العهد ساد المذهب الشافعي هذه الأنحاء لمرور صاحبه – رحمه الله – بهذه البلاد في طريقه إلى : نجران ، واليمن .
ويؤكد هذا أيضا قول محمود شاكر الذي ذكر أن أهالي عسير يلتقون مع الأهلين بتهامة في إتباعهم – كما قال - : " المجتمع العسيري بصفة عامه مجتممع مسلم متدين ، متمسك بدينه أشد التمسك ويتبع سكانه المذهب السني مذهب أهل السنة والجماعة على حسب المذهب الشافعي .
ولقد دلت بعض الوثائق المخطوطة على أن أهل رجال ألمع بتهامة عسير عام 1159 هـ / 1746 م قد : " جددوا العهد على إقامة الشريعة المحمدية ، وتعاهدوا بالله الذي لا إله إلا هو على تنفيذها ، والرضا بحكمها وهي الطريقة المحمودة ، ونصبوا الفقيه هادي بن بكري على فصل الشريعة المطهرة " .
ولعل ما ساعد على هذا التكوين الديني وجود : الأسر العلمية ، والمكتبات الخاصة ، ووضوح الاتصال العلمي بينها وبين مراكز الفكر الموجودة والمجاورة مثل : الحرمين الشريفين ورجال ألمع و المخلاف السليماني واليمن . وهذا يؤكد أن مذهب الأهلين برجال ألمع قبل ظهور الاتجاه السلفي الإصلاحي في بلادهم أواخر القرن الثاني عشر الهجري هو المذهب الشافعي . وعلى الرغم من وجود شيء من الشطحات الدينية والاتجاهات المذهبية الأخرى ، فإن أهليها بوجه عام عبر تاريخ بلادهم الديني : " يوحدون الله ، ولا يتوسلون إلى سواه " ، وأن مساجدهم : " قد خلت من الزخرف ، وقبورهم لاقباب فيها " .
وختام الأمر أن الناس في بلاد عسير عبر هذه الفترة سنيون ، وأنهم لم يعرفوا شيئا من تلك الاتجاهات المذهبية المعروفة في بعض البلدان المجاورة ، وأنهم شافعيو المذهب لما وجد من الإشارات التاريخية التي يمكن أن تعين الباحث على تحديد هذا المذهب ، من مثل : ورود لفظ الشافعي في أسماء الفقهاء وطلبة العلم وشيوع كتب الشافعية المخطوطة بينهم .
|
|
|
|
|
|