حرب طبية على "الرباعي" القاتل!

[الدكتور أحمد باذيب]

الأمراض القلبية الوعائية، السمنة، السكري، السرطان، انها الرباعي المسؤول عن 59 في المئة من الوفيات في العالم للعام 2002، هذا ما يقوله تقرير منظمة الصحة العالمية لهذا العام. ومن أجل مواجهة هذا الرباعي القاتل تشدد المنظمة الساهرة على صحة العالم الى دور الغداء في هذه المعركة.

التقرير أعده وشارك فيه عشرات الخبراء العالميين يقودهم الدكتور ريكاردو يواي من لندن، وحسب المنظمة فإن هذا التقرير سيكون بمثابة مرجع يمكن للحكومات الاعتماد عليه في وضع استراتيجية صحية لشن الحرب على "الرباعي القاتل"، وبالتالي رسم خطة وقائية يكون فيها الغذاء أحد دعائمها الأساسية، وفي هذا الاطار، ينصح الخبراء بالآتي:

1- الإقلال من استهلاك الأدهان المشبعة (أي الأدهان من منشأ حيواني).

2- الحد من استهلاك الملح.

3- الإكثار من أكل الخضار والفواكه (على الأقل 400 غرام في اليوم).

4- ممارسة النشاط الرياضي ولمدة ساعة على الأقل كل يوم.

اضافة الى ذلك، أشار معدو التقرير الى أهمية أخذ الطاقة التي تتناسب مع النشاط الفيزيائي للشخص، واتباع نظام غذائي متوازن. وفي هذا الصدد يوصي الدكتور ريكاردو يواي بضرورة التمييز ما بين الأدهان والسكاكر لاختلافهما عن بعضهما البعض، والى تناول كميات قليلة من الأغذية ذات الطاقة العالمية، خصوصاً الغنية بالسكر والأدهان المشبعة.

عدا هذا وذاك، ينصح يواي بترجيح كفة الخضروات والفواكه لغناها بالعناصر المغذية التي تنبه الجهاز المناعي فتقوي من دفاعات الجسم ضد الأمراض الميكروبية.

وإذا كان تقرير منظمة الصحة العالمية يوجه عناية خاصة للتغذية لمحاربة الأمراض المزمنة، إلا أن النصائح المتعلقة بالسكر ما زالت تنادي بقسط وافر منه على رغم ان السكر يعتبر الشرارة التي تشعل فتيل العديد من الآفات.

إن كثرة استهلاك السكر تؤدي الى وفرة انتاج الجذور الكيماوية الحرة في الجسم، والمعروف أن هذه المركبات متورطة حتى أذنيها في إثارة الشيخوخة والأمراض القلبية الوعائية. لقد طرح الباحثون السؤال الآتي: لماذا يتعرض مرضى السكري لخطر الأمراض القلبية الوعائية أكثر من غيرهم؟

في دراسة شملت عدداً من المتطوعين تناول قسم منهم محلول "الغلوكوز السكري" بينما تناول القسم الآخر مشروباً محلى بمادة "السكارين"، قام الباحثون وبعد مرور ساعتين على شرب المحلول بقياس مستوى الجذور الحرة لدى المجموعتين، فجاءت النتائج لتوضح أن نسبة الجذور الحرة وصلت الى الضعف لدى أفراد المجموعة الأولى (أي التي تناولت الغلوكوز) بالمقارنة مع أفراد المجموعة الثانية التي تناولت السكارين.

والعلاقة بين السكر والأمراض القلبية الوعائية كانت واضحة وضوح الشمس في دراسة البروفسور وولتر ويليت من جامعة هارفارد والتي طاولت 75 ألف امرأة. فقد أوضحت الدراسة أن النسوة اللاتي يتناولن أغذية ذات مشعر سكري مرتفع هن أكثر تعرضاً لخطر الأمراض القلبية الوعائية بمعدل مرتين زيادة عن اللواتي تناولن أطعمة ذات مشعر سكري منخفض.

إن الأغذية ذات المشعر السكري العالي تعتبر المحرض الأكبر للإصابة بالسمنة والسكري.

البروفسور جيرار سلامة من مستشفى أوتيل ديو الباريسي بين أن اعطاء أطعمة ذات مشعر سكري مرتفع لأشخاص أصحاء لمدة ستة أسابيع كان كافياً لتسجيل زيادة في حجم وعدد الخلايا الدهنية عندهم بالمقارنة مع آخرين اعتمدوا أغذية ذات مشعر سكري منخفض.

ومن ناحية أخرى كشفت دراسة شملت عدداً من الشبان البدينين وزعوا على ثلاث مجموعات تناول أعضاؤها الكمية نفسها من الطاقة مع فار واحد هو أ، المجموعة الأولى تناولت وجبة ذات مشعر سكري عال، وأعطيت المجموعة الثانية وجبة ذات مشعر سكري متوسط، أما الثالثة فزودت بوجبة ذات مشعر سكري منخفض، وعندما حان موعد الوجبة التالية أعطي الضوء الأخضر لأفراد المجموعات الثلاث بأن يتناول كل منهم ما يريده فجاءت النتيجة ناطقة، إذ أن أفراد المجموعة الأولى والثانية استهلكوا سعرات حرارية أكثر بنسبة 81 في المئة و53 في المئة على التوالي، بالمقارنة مع أفراد المجموعة الثالثة. وبيت القصيد هنا يعني أن الأغذية ذات المشعر السكري العالي تحرض على الشهية والشراهة، أي تؤدي الى زيادة الوزن، وان هذه الزيادة لا تلبث عاجلاً أم آجلاً أن تخلف وراءها السمنة التي تشكل بدورها أرضية خصبة لاستيطان الداء السكري الكهلي. أما عن علاقة السكر بالسرطان فقد أشار مركز الأبحاث العالمي للسرطان في مدينة ليون الفرنسية الى وجود روابط ما بين الأطعمة ذات المشعر السكري العالي وزيادة خطر التعرض لبعض أنواع السرطانات، من بينها سرطان القولون وسرطان البانكرياس وسرطان بطانة الرحم لدى المرأة. ووفقاً للباحثين فإن تلك الأطعمة تشجع على طرح كميات هائلة من هرمون الانسولين الذي يعتبر بحد ذاته عاملاً مساعداً للنمو، وبالتالي فهو يعين على تكاثر الخلايا السرطانية.

مسك الختام، السكر المضاف الى الطعام ضار، بل لا توجد دراسة واحدة تشير الى فائدته. إن السكر يضاف الى الغذاء بسخاء على رغم الدراسات الكثيرة التي أشارت الى أن اضافته الى الطعام لا تحمل معها للإنسان سوى سعرات حرارية لا معنى لها ولا قيمة على صعيد الصحة. إن هذه السعرات الإضافية يؤمنها لنا المنتجون والصانعون في أغذية وأشربة أنيقة، جذابة، سهلة الاستهلاك والاستعمال مرفقة بكلمات معسولة تدفع الناس، صغاراً وكباراً، الى تناولها من دون حساب. ولكن في النهاية هل تعرفون من سيدفع فاتورة الحساب؟!

أخيراً، لا بد من كلمة عن المشعر السكري، فهو عبارة عن معيار يسمح بمعرفة مدى تأثير الأغذية على رفع مستوى سكر الدم، وبناء عليه تقسم الأطعمة الى ثلاثة أصناف هي: أطعمة ذات مشعر سكري عال، وأطعمة ذات مشعر سكري متوسط، وثالثة ذات مشعر سكري الحصر، ثلاث مجموعات من الأغذية وفقاً للمشعر السكري:

أغذية ذات مشعر سكري عال: العسل، الجزر، الخبز الأبيض، البسكويت، كورن فليكس، الحلويات، البطاطا المقلية.

أغذية ذات مشعر سكري متوسط: البازلاء، البطاطا المسلوقة، الرز، الموز، البرتقال، المعكرونة.

أغذية ذات مشعر سكري منخفض: الحليب، اللبن، العدس، الفاصولياء البيضاء، التفاح، الإجاص، الكرز، العنب، الشوكولاته