لعبة الشبواني

تعتبر لعبة الشبواني من ابرز الألعاب الشعبيه في حضرموت وتنطوي تحت لوائها بقية الألعاب الأخرى من شرح وزف وغيره

ان لعبة الشبواني لعبه قديمه جدا ولا يعرف لها تاريخا محددا من الناحيه العلميه ولا المصدر الذي جاءت منه الا ان هناك  احاديث تتناقلها الأجيال تقول ان اللعبه ذات جانب وطابع عسكري بحت وتعتمد على فكرة الكر والفر والتحام الصفوف حيث يترأس العده شخص يسمى المقدم وله مساعدين يسمون حاليا ـ لجنة العده ـ

ان المقدم له سلطه غير عاديه على الجميع فكلمته دائما نافذه والجميع طوع امره ولا مجال للنقاش الزائد خاصه بعد ان تبدأ العده بالأنطلاق ـ هذا ممايؤكد طابعها العسكري ـ اما هيئة لاعبي الشبواني فهو مميز فالجميع يلبس عمامه خاصه نسميها  ـ الرمّال ـ ويحمل كل واحد منهم عصا في يده يستعملها في الرقص ، هذه العصا  تؤدي وظيفه مهمه جدا فساعة الأنطلاق وساعة التوقف كلها تعتمد على تقابل كل صفين ويقوم كل فرد منهم برفع عصاه لتتقابل مع عصا  الفرد المقابل له من الصف وبحركه واحده وقويه تتقارع العصيان بصوت قوي معلنه ساعة الأنطلاق او ساعة التوقف ولا يفرط احد اللاعبين في عصاه فأذا طلبت منه العصا يرد عليك قائلا لا لن اعطيك سلاحي 

كيف تمارس لعبة الشبواني

اولا التحضير للعبة الشبواني ـــ قد تسأل معي ماهي الطريقه التي يجتمع بها اللاعبون لممارسة هوايتهم فالوسائل المتاحه آنذاك بدائيه ولاتوجد سبل للأعلان عن فعالية الشبواني فجائت فكرة التحضير حيث يقوم احد اعضاء الفرقه في صباح اليوم الذي سيقام فيه الشبواني عصرا مثلا بالضرب على الطاسه ـ من انواع الطبول ـ وعندما يسمع الأفراد صوت الطاسه يعرفون ان هذه الليله شبواني وهنا يتسائلون ويتعرفون على التفاصيل من قبل المقدم والذي بوظيفته يعرفهم بالمناسبه والوقت والمكان والزمان ، وظل هذا مستمرا رغم وجود البدائل من هاتف وغيره الا انه لم يستغنى عن هذه العاده حتى يتم المحافظه على هذا التراث الأصيل

ثانيا بدء اللعبة ـــ تبدأ اللعبه بما نسميه الخابه حيث يتم التمهيد ويجتمع اللاعبون في صفين طويلين يسميا ـ الشنف ـ ويطلقون هذا الصوت ــ وولا كب  وولا كب ــ وهو مصطلح قديم ، بعد ذلك يدخل او احد هواة الشعر ويعطي صوت خفيف نطلق عليه صوت الخابه السريعه لاتتداخل فيه الألحان كثيرا فتنطلق اصوات الهاجر والمراويس والدف والطويس ـ جمع طاسه ـ ويبدأ الغنا الجماعي لبيت واحد من الشعر حيث تغني الصفوف الثلاثه الأولى شطر البيت وبقية الصفوف عجز البيت وتنطلق العده بأيقاعات خفيفه وسريعه ويستمر هذا الى ان تصل الى ساحه او مكان واسع ـ في هذه اللحظات يكون جميع اللاعبين قد اكتملوا وحضر الشاعر او المغني المتخصص في الألحان ليعطي الصوت الجديد فيصطف اللاعبون مره اخرى في صفين طويلين لترسيخ الصوت ، وبعد ترسيخ الصوت يبدأ اللعب المتروي والمتأني ويعتبر كل لاعب انه قد آن الأوان لأظهار مهارته في الرقص

وتنطلق العده من جديد بأيقاعات غير سريعه وغناء متروي ويصطف اللاعبونفي صفوف منظمه لا اعوجاج فيها على ان يكون الصف الأول والثاني يحمل خيرة اللاعبين ومن الجدير بالذكر انه يوجد قائد للعده اثناء اللعب يسمى صاحب الطلعه موقعه يكون في وسط الصف الأول فهو بمثابة الدينمو المحرك الرئيسي للعده فالأعين جميعها تشرئب اليه ومنه يستمد اللاعبون حركات الكر والفر واللتحام ، وجدير بالذكر ان هذه الطلعه والتي تضفي على اللعبه جمالا فوق جمالها ليست قديمه جدا وانما اضيفت حديثا قبل حوالي 50 عاما بالتحديد على يد احد الشباميين وهو مازال حيا يرزق امده الله بالصحه والعافيه وهو علي عوض باحجر حيث انه يعتبر من اشهر من حمل لواء الطلعه في الشبواني في مدينة شبام وهو بحق يعتبر المبتكر الأول للطلعه المعروفه اليوم في جميع عدد الشبواني في وادي حضرموت ومما يجدر ذكره ان هناك محاولات لتجديد هذه اللعبه بأضافة بعض   ـ الكسرات ـ  الأخرى منها ما يطبق حاليا ومنها ماسوف يراه المتذوقون لهذا الفن الجميل

عدد صفوف العده  في الغالب لايقل عن سته في كل صف من 8 ـ 12 فرد ومما يميز هذه الرقصه ان الجميع يؤدون حركه واحده وفي وقت واحد معتمدين في ذلك على الأشاره التي يصدرها صاحب الطلعه والذي تقترن اشاراته دائما بصوت الأيقاع الصادر من الهاجر فصاحي الهاجر له دور كبير في تطبيق الكسرات واتقانها ويكون بمثابة القائد لبقية الأيقاعيين وغالبا مايحرص ان بقية الأيقاعيين عن يمينه ويساره  ، وبين الفينه والأخرى يدخل الشاعر لأعطاء ابيات على نفس اللحن الذي انطلقت به العده

هذه الفعاليات التي ذكرت ان كانت عصرا تسمى الترويحه وان كانت ليلا تسمى السريه

ثالثا كسر الصوت ــ في غالب الأحيان يعقب السريه سمر تلقى فيه  القصائد الشعريه وتعقبه المساجلات الشعريه وقبل الحديث عن هذا السمر يجب القاء بعض الضوء على رقص يمارس قبل القاء الشعر وهو كسر الصوت حيث تكون هذه الرقصه بمثابة الأستعداد النفسي للشعراء والجمهور ، حيث يقوم بهذه الرقصه عدد قليل من افراد العده لايتجاوز 24 فردولايصطحبون معهم العصي يصطفون في صفين متقابلين في حلبه قطرها حوالي 5 امتار يقف بكل صف 12 فرد وهنا يبرز دور المغني الذي سيغني اصوات ادان الخاص بالشبواني

تبدأ الرقصه بعد ان يصدؤ المغني ترنيماته العذبه ببيت من الشعر سيردده الراقصون ولابد له من ان يختار احد الأبيات اجميله التي تدغدغ عواطف اللاعبين الذين ستمايلون بالغناء الجماعي فعلى سبيل المثال يغني المغني هذا البيت

وسلام من عند المغني عا شبام العاليه

ام الرواشين العجيبه والقصور العاليات

هنا يبدأ اللاعبون بترديد هذا البيت بحيث يغني احد الصفين شطر البيت ويغنني الصف الآخر العجز لتنطلق الأيقاعات التي يقودها صاحب الهاجر فيتمايل الراقصون يمينا وشمالا بحركات رشيقه وخفيفه وجميله ويستعملون ايديهم في التصفيف  ـ الرقص ـ على حركة الأيقاعات ولهم كسرات خاصه يتقابلون فيهاويلتحم الصفان اكثر من مره ويعود كل واحد الى مكانه بطريقه ممتعه وشيقه وهكذا حتى تنتهي الرقصه لتبدأ ليلة سمر جميله وساحره لها جمال وسحر مدن حضرموت

رابعا شعر الشبواني والسمر ــ وهذا يعتبر مدرسه يتعلم فيها الشعراء الناشئون ارتجال الشعر وهو من اكبر العوامل لسرعة البديهه وشحذ الذاكره وتقوية ملكة الشعر وفيه تظهر موهبة الشعراء وعبقريتهم ، والقارئ للموروث الشعري في حضرموت يجد ان نسبه كبيره من الشعر الذي قرأه او  سمعه قيل في الشبواني فقد يصل عدد الشعراء الذي يشاركون في السمر سبعة شعراء

طريقة السمر 

يبدأ المغني بغناء لحن متعارف عليه ثم يدخل الى الحلبه شاعر العده ويلقي قصيدته التقليديه فغالبا تبدأ بالبسمله والصلاه على النبي ثم الترحيب بالشعراء المشاركين ثم الأشاده بعدته ثم يعرج على المناسبه التي اقيم من اجلها السمر < مطلع سنوي ، زواج ، عيد وطني ، وغيره > وبد ذلك يتطرق الشاعر للأوضاع السياسيه والأجتماعيه ويتناولها بالنقد ويقول رايه فيها بكل صراحه مستخدم الرمز احيانا والتصريح احيانا اخرى ومن طرائف القول اقص هذه الطرفه فقد ابتليت احدى المدن بقاض مرتش لم تستطع الفكاك منه الا على يد احد هؤلاء الشعراء في قوله

وسعادة القاضي بغا الا انسان يعرف رطنته

رطن وباتلحق اوراقك جاهزه ومطنطنات

وان ماعرفته رطنته تلقاه يكرش لحيته

ويقول لك بكره دخل الأوراق ماهن صالحات

وان جيتله بكره اذا شافك يقفل خلفته

وان باتدق اللهي بايكتب عليك مخالفات

وهكذا سمع الجمهور هذه الأبيات الساخره واللاذعه والصريحه واخذ يرددها عن ظهر قلب في الأيام اللاحقه مما ادى ان يطلب القاضي تحويله الى منطقه اخرى فرارا من سماع هذه الأبيات السابقه للشاعر الشعبي المعروف صالح ربيع بلسود  ــ الذي خصصنا صفحه كامله في هذا الموقع للتعريف به وبشعره ــ

الشاعر الجيد في السمر هو الذي يستطيع جذب الجمهور اليه لترديد اواخر ابياته بمعنى آخر هو الذي يطرب اليه الجمهور ويتجاوب مع اشعاره

وفي الأخير يختم الشاعر ابياته بدعوة  غيره من الشعراء بالأسم وهذا يتكرر مع كل شاعر حسب اتفاقهم المسبق بينهم الى ان يدخل آخر شاعر والذي بدوره يستدعي جميع الشعراء لتبدأ المساجلات الشعريه الشيقه والمرحه والممتعه

المساجلات الشعريه

حيث يتقابل فيها جميع الشعراء المشاركين في السمر وقد تستمع فيها الى بعض المهاترات فيما بينهم واحذر عزيزي ان تعتقد بأن هناك عداوه فيما بينهم او ان هذه المهاترات حقيقيه بل ان لها اغراض اخرى نذكر بعضها فيما يلي

ــ كل شاعر يريد اظهار حسن الرد  المباشر وابراز قدرته في الأتيان بأبيات جديده وبأقصى سرعه

ــ امتاع صاحب السمر والجمهور الذي يستمتع بهذه المهاترات فغالبا ما تكون مضحكه لتخفف قليلا من احزانه وهمومه

ــ في بعض الأحيان يريد الشاعر ان يهجو بعض المسؤولين المقصرين وبدلا من ان يذكر اسم المسؤول المقصر  يذكر بدلا عنه اسم زميله الشاعر الذي يقارعه في الحلبه فيسلم الشاعر من الاحراج والمساءله في اليوم التالي 

ــ يستعمل الشعراء في المساجلات الشعريه الرمز لنقد وضع سياسي معين فيتعرف الشاعر الآخر على رمز زميله فيتحدثان بأبيات مبهمه عن هذا الوضع في شعر لاذع وساخر يذهب الجمهور الى تفسيره  كل مذهب وهذا عزيزي احد النماذج 

قال الشاعر ـ

لي ذبحوا الضانه جملتهم ثلاث تعشر نفر

الصبح ذبحوها وبعد العصر شفها عا تصيح

فيرد عليه زميله ـ

ذا ايش من ضانه مائة ذباح فيها يعتكر

هذا كلامك صدق ولا مزح من ضمن المزيح

فيرد الشاعر الأول ـ

ضانه ركيكه حال غشوها وقبصها الذبر

لا بوي راعيها ولا لها حد في الدنيا نصيح

وهكذا تستمر وتتوالى تلك الأبيات على تلك الضانه المسكينه وما اضنها ضانه حقيقيه وانما هي رمز استخدمه الشاعران للتعبير عن نقد وضع سياسي معين وكما يقولون ــ المعنى في بطن الشاعر ــ وقد تستمر تلك السمرات الى قرب اذان الفجر

شعر الخابه واغراضه

يعتمد هذا الشعر على مايطلق عليه الناس التخميس < الصوت بالمصطلحات الشبوانيه> والتخميس معروف في الشعر الحميني والعامي والشعر الغنائي

وبرغم ان الأيقاع واحد لا يتغير في جميع الأصوات الا ان الألحان تختلف من صوت الى آخر 

وسنتحدث هنا عن اغراض الأصوات فالصوت  مهم جدا ويعتمد على الكلام القوي والمعبر فجميع اللاعبين لايتقبلون اي شئ يقال لهم انهم يرفضون المقوله التي تقول < قل اي شئ وغنه > فهم لايطربون ولا يتمايلون مع الأيقاع ومع الألحان الا اذا كان الكلام الذي يرددونه بعد كل مقطع من مقاطع الشعراء يحمل في طياته حكمه بالغه او عبره او مقوله انسانيه او وطنيه 

شعر الحكمه والعبر

وهذه بعض النماذج من هذه التخاميس 

لاتبت ربك يقبل التواب

باب الكرم واسع

لاتبت ربك يقبل التواب

واليك هذا التخميس ايضا الذي يتحدث عن نفسه

عبره واللي بار في اهله من صدق باتلتقيه الناس

ايضا هذا التخميس الذي يدعو الى الشورى والديمقراطيه

عطنا شوي في الشور 

لاتشل الشور كله رد نفسك

عطنا شوي في الشور

ليس هذا فحسب بل هناك تخميس يدعو الى نبذ العنف والحرب 

للسلم ناديت

ماهو سبيلي الحرب والعدوان

وهذا تخميس يدعو الى التواضع وترك الغرور

ياطير في جو السماء طاير

ماعذر ماتبرح وتهوي لامكان

الشعر القومي والوطني

حب الوطن عريزه وفطره فطر عليها كل انسان وفي كل زمان ومكان ولهذا نجد  ان التخاميس قد طرقت هذا الموضوع بكلام جميل معبر فهذه دعوه الى لم الشمل العربي في طول الوطن العربي وعرضه

لا التقى الفرات هو والنيل اشرقت عا العروبه

لاالتقى الفرات والنيل

ويبلغ احد التخاميس القمه في دعوته الى حب الوطن قائلا

سعيد من له وطن

يحن دايم الى اوطانه ولو جارت عليه

ويقول تخميس آخر

يمن يامهد راسي

نفديك يايمن بالوح والدال والميم <دم >

ولا ينسى هذا التخميس دور الشهيد فيقول

ماتوا ولقوا للوطن تاريخ

ناس حاموا عا الوطن

ماتوا ولقوا للوطن تاريخ

شعر الأعتزاز بالنفس

والتخاميس هنا واضحه وجليه واليك بعض منها

لاداخل الوديان 

زفيت بك يااللي تكابر من فوق راس الجبل

لاداخل الوديان

وهذا آخر

شربي الا بغيه من جبوح النوب

عادنا ماشربتك يالكدر

شربي الا بغيه من جبوح النوب

وهذا آخر

الى الصفراء شبام 

والدوسوي بايحمل لي حمولي

الى الصفراء شبام

الشعر الذي يدعو الى اصلاح المجتمع والى النقد الذاتي

واليك بعض النماذج منه

ياساري الليل قدامك حويره 

الله يعينك عا رعضها والطول

وهذا آخر

النوخذه ماحسب للبحر حاسبه هادي

كذها فضيله على الجزوه وعا الربان

وهذا  آخر

لي يروم العز والناموس

يحتكم ويقيد لسانه

لي يروم العز والناموس

واليك آخر

ماقال هذا حق من ياناس

من شاف شي في الطريق شله

ما قال هذا حق من ياناس

وهذا آخر

لأهل الملامه ما با يوطي الراس

كل من تربى عا العز دايم

وهذا كله غيض من فيض كما يقولون ولو استمريت حتى اتقصى جميع التخاميس لطال بنا الحديث ولكني احببت ان اضع بين يدي القارئ الكريم بعضا من الجوانب الأيمانيه والأنسانيه والوطنيه ومازال المجال واسع ومتروك للمتخصصين ليغوصوا في اعماق هذا الفن الجميل والرائع ويكتشفوا الدرر الثمينه والتي ولا شك ستثري الواقع الثقافي

واختتم هذا البحث عن الشبوني هذا الفن الجميل من تراثنا العريق بهذا التخميس

عاد حد غواص ماهر 

الصدف واللول في البحر الملان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للكاتب القدير الأستاذ ربيع صالح ربيع بلسود