بسم الله الرحمن الرحيم
اخي وصديقي التريمي :
اخالك ممن تستهويهم حب الاثارة والشغب ومخالفة الآخرين ... وليكن ما كان !!!
فما كان ينبغي عليك سيدي الكريم وأخي الفاضل ان تطرح موضوعك لقراء السقيفة بهذه الصورة وتلك الكيفية ... لانك تعلم أن هذا المسألة اختلف فيه العلماء ...
ثم ان الشيخ الكلباني حفظه الله من علماء المدرسة السلفية المعروفين في الساحة . ويعتبر من العلماء الثقات ومرجعيات هذه المدرسة حتى صدور فتواه .
وأعتقد ان هذا الأمر يحتاج الى دراسة مستفيضة من علماء واتباع هذه المدرسة خاصة واننا نشاهد في هذه الآونة صدور فتاوى واراء جريئة جدا من بعض علماء تلك المدرسة . كالشيخ أحمد الغامدي والشيخ عائض القرني والشيخ سلمان عودة والشيخ عبدالمحسن العبيكان وأخيرا الشيخ الكلباني وغيرهم كُثر .
وهذا من وجهة نظري هذا دليل قوي على وجود اصلاحات فكرية عند علماء المدرسة السلفية المتشددة .
ولاعيب في هذا فقد كان للإمام الشافعي : مذهبين كما هو معروف ، ولكن الذي يعاب هو التعنت والاصرار والتمسك بشواذ هذه المدرسة ...
ولنا أمل كبير في عودة بقية علماء المدرسة السلفية المتشددة من معتقداتهم وما يرونه تجاه بعض المسائل الذي اتفق عليها جلّ علماء الأمة وسنراه قريبا باذن الله ...
هذه مقتطفات سيدي الفاضل مما ابرزته كتب العلماء الذين يعتبرون الغناء . كلام . حلاله حلال وحرامه حرام .
القول القائل :
السماع حرام ، معناه أن الله تعالى يعاقب عليه ، وهذا أمر لا يعرف بمجرد العقل بل بالسمع .. ومعرفة الشرعيات محصوره في النص أو القياس على المنصوص ، ولا يدل على تحريم السماع نص ولا قياس ، وقول الله تعالى (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) يدل بمفهومه على مدح الصوت الحسن ، ولو جاز أن يقال إنما أبيح ذلك بشرط أن يكون في القرآن ، للزمه أن يحرم سماع صوت العندليب لأنه ليس في القرآن وإذا جاز سماع صوت غفل لا معنى له كصوت العندليب ، فلم لا يجوز سماع صوت تفهم منه الحكمه والمعاني الصحيحه ؟ وما دام الصوت القبيح مستنكراً ، والصوت الجميل مستحسناً ، فلا يصح في الذهن تحريم الصوت الجميل وما يصدر عنه من غناء . فإذن تأثير السماع في القلب محسوس ، ومن لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الإعتدال بعيد عن الروحانيه ، زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور ، بل على جميع البهائم ، فإن جميعها تتأثر بالنغمات ..
إن الدليل على إباحة الغناء عند الإمام الغزالي يتلخص في أمرين : النص والقياس .. أما القياس فيرجع إلى تلذذ حاسة السمع بإدراك ما هو مخصوص بها ، وللإنسان عقل وحواس خمس ، ولكل حاسة إدراك ، وفي مدركات تلك الحاسه ما يُستلذ ، فلذة النظر في المُبصرات الجميله كالخضره والماء الجاري والوجه الحسن وسائر الألوان الجميله وهي في مقابلة ما يكون من الألوان الكدره القبيحه .. وأما النص فيدل على إباحة سماع الصوت الحسن إمتنان الله تعالى على عباده إذ قال : (يزيد في الخلق ما يشاء) فقيل : هو الصوت الحسن .. وفي الحديث : ما بعث الله من نبي إلا حسن الصوت .. وقال عليه السلام : لله أشد أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن ، ومن صاحب القينه لقينته .. وفي الحديث في معرض المدح لداود عليه السلام أنه كان حسن الصوت في النياحه على نفسه وفي تلاوة الزبور حتى كان يجتمع الإنس والجن والوحش والطير لسماع صوته .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في مدح أبي موسى الأشعري : (لقد أُعطي مزماراً من مزامير آل داود ) .
وقد يتبادر إلى الذهن المعاصر أن استخدام مصطلح (اللهو) في وصف الغناء إنما يحمل معاني سلبية, تشي بالكراهة أو التحريم للغناء, ولما كان هذا الذي يتبادر إلى الذهن المعاصر غير وارد ولا صحيح, كان علينا أن نبادر بضبط مضمون مصطلح (اللهو), الذي صنّفت تحته- في كتب السنة- الأحاديث التي وردت في موضوع الغناء, والذي استخدم كذلك في القرآن الكريم.فاللهو- في مصطلح العربية- ليس بالضرورة ما يلهي عن الطيبات والعبادات والخيرات, وإنما هو كل ما يشتغل به الإنسان وينشغل به فيلهيه ويتلهى به عن سواه, واللهو: النكاح- أي الزواج- واللهو: المرأة والولد- أي زينة الحياة , والملاهي: هي آلات اللهو, أي مطلق الوسائل التي تُحدث الأنس واللذة للإنسان, فتشغله عن حدوثها عما سواها. وكذلك الحال في القرآن الكريم, يرد الحديث عن اللهو في سياق المناشط الإنسانية المباحة, إذا هو لم يله الإنسان عن الفرائض والواجبات والضرورات, قال تعالى :
.وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائماً " فالبيع ليس حراماً, لكن الحرام أن يلهينا ويشغلنا عن صلاة الجمعة,
وفي سورة الأنعام: "وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون" وليس المراد بها ذم الحياة الدنيا, ولا ذم اللعب واللهو, وإنما المذموم هو قول الكفار: إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين .
وإذا كان الغناء, في جوهره: صوتاً جميلاً تصاحبه ألحان وأنغام مؤتلفة تزيده جمالا, فلقد عرض الفكر الإسلامي لهذا الغناء باعتباره فطرة إنسانية تحاكي بها الصنعة الإنسانية الخلقة الإلهية التي أبدعها الله وخلقها في الطيور والأشجار, فالصوت الجميل الصادر من حنجرة الإنسان هو محاكاة للأصوات الجميلة الصادرة من حناجر البلبل والعندليب والكروان, ومعزوفات الأوتار التي تثمر الألحان المؤتلفة والجميلة هي محاكاة الصنعة الإنسانية لما تعزفه الأشجار والأغصان والأوراق في الحدائق الغناء عندما تهب عليها الرياح والنسمات, وإذا كان غير وارد ولا جائز ولا معقول تحريم الأصوات الجميلة إذا جاءت من حناجـر الطـيور, فلا منطق يحرّمها إذا صدرت من حنجرة الإنسان, إذ لا فرق بين حنجرة وحنجرة, وإذا كان غير وارد- ولم يحدث- أن حرّم أحد الأصوات المنكرة, ولا الأنغام المتخالفة, فمن غير المنطقي ولا المعقول تحريم الأصوات لأنها جميلة غير منكرة, أو الأنغام لأنها مؤتلفة غير متخالفة. بهذه النظرة الفطرية, نظر العقل المسلم- والإسلام دين الفطرة- إلى الغناء والألحان .
ففي صحيح البخاري, تروي أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- فتقول: دخل رسول الله, صلى الله عليه وسلم, وعندي
جاريتان تغنيان بغناء بُعاث, فاضطجع على الفراش, وحوّل وجهه, فدخل أبوبكر, فانتهرني, وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله, صلى الله عليه وسلم ?! فأقبل عليه رسول الله فقال: دعهما . فنحن أمام سنة نبوية- عملية- أقر فيها رسول الله, صلى الله عليه وسلم, الغناء, في بيت النبوة, من فتاتين, ويسمعهما رجال, ويغنيان بأشعار تتحدث عن ذكريات وقائع الحرب في التاريخ, بل والتاريخ الجاهلي- وعندما اعترض الصديق أبو بكر- رضي الله عنه- مجتهداً في المنع, اعترض الرسول, صلى الله عليه وسلم, على هذا الاجتهاد, مؤكداً الإباحة. وتحويل الرسول وجهه عن الفتاتين المغنيتين هو غض للبصر, وليس كفّاً للآذان عن السماع. ولم يطعن أحد من علماء الجرح والتعديل على أحد من رواة هذا الحديث, الذي رواه البخاري في الصحيح.
وفي البخاري- أيضاً-
عن عائشة ما يشهد بأن هذا الغناء المباح قد يعرض له ما يجعله مطلوباً ومندوباً- في الأعراس- والطالب له والحاث عليه هو رسول الله, صلى الله عليه وسلم, فعن أم المؤمنين عائشة أنها زفّت امرأة إلى رجل من الأنصار, فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: يا عائشة,
ما كان معكم لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو .
وفي رواية النسائي للحـديث ذاته, يقـول الرسول: يا عائشة, أهديتم الفتاة ? ألا بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم, فحيّانا وحيّاكم؟ . فيحث على الغناء, بل ويرشح الكلمات, ولهذا الحث على الغناء- في مناسباته- نظير
في الحديث الذي خرجه الإمام أحمد- في مسنده- عن عبدالله بن عمير- أو عميرة- قال: حدّثني زوج ابنة أبي لهب, قال: دخل علينا رسول الله, صلى الله عليه وسلم, حين تزوجت ابنة أبي لهب, فقال:
هل من لهو؟ .
وفي سنّة أخرى, يروي النسائي- عن السائب بن يزيد- أن امرأة جاءت إلى رسول الله, صلى الله عليه وسلم, فقال لعائشة: يا عائشة, أتعرفين هذه? قلت: لا, يا نبي الله,
قال: قيْنة بني فلان, تحبين تغنيك؟ فغنّتها.
إذا كانت القينة هي الجارية المغنية, فنحن أمام مغنية تحترف الغناء لبني فلان- أي للرجال والنساء- يعرض الرسول على عائشة أن تسمع غناءها, فتغني لها, في حضرة رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
ولقد مضت هذه السنة- إباحة الغناء, أو ندبه- جارية مرعيّة في مجتمع الصدر الأول, فيروي النسائي عن عامر بن سعد يقول: دخلت على قرظة بن كعب, وأبي مسعود الأنصاري, في عرس,
وإذا جوار يغنين, فقلت: أنتما صاحبا رسول الله, صلى الله عليه وسلم, ومن أهل بدر, يفْعلُ هذا عندكما ؟! فقالا: اجلس إن شئت فاسمع معنا, وإن شئت فاذهب (فقد رُخّص لنا في اللهو عند العرس).فالبدريون من صحابة رسول الله, صلى الله عليه وسلم, قد مضوا على سنّة الاستماع والاستمتاع بلذة الطرب بالغناء الحلال المباح. غناء حلال
وعن السيده عائشه- رضي الله عنها قالت :
كان يوم عيد, يلعب السودان, الحبشة- بالدرق والحراب, في المسجد, فإما سألت رسول الله, صلى الله عليه وسلم, وإما قال: تشتهين تنظرين ؟ فقلت: نعم, فأقامني وراءه, خدّي على خدّه, يسترني بثوبه, وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون- أي يرقصون- فزجرهم عمر- رضي الله عنه- فقال النبي: أمْناً بني أرفدة. دونكم بني أرفدة, حتى إذا مللت, قال: حسبك ؟ قلت: نعم, قال: فاذهبي . فهنا, سنة عملية أقرت اللعب- التمثيل والرقص المصحوب بالغناء .
ويقول الإمام الغزالي فيما يخص هذا الحديث : وقف النبي طويلاً ووراءه عائشه لرؤية رجال الحبشه من أرقاء أهل المدينة يغنون ويلعبون .. فهذا نص صريح في أن الغناء واللعب ليسا بحرام ، وفيه دلائل على رخص كثيره منها :
* اللعب ، ولا يخفى عادة الحبشه في الرقص واللعب .
* فعل ذلك في المسجد .
* أمره عليه السلام بأن يستمروا في اللعب ، فكيف يكون حراماً ؟!
* وقوفه طويلاً في مشاهدة ذلك دليل على أن حسن الخلق في تطييب قلوب النساء والصبيان بمشاهدة اللعب .
* الرخصه في الغناء والضرب بالدف ، وفيه بيان أن المزمار المحرم مزمار الشيطان غير ذلك .
وقد تحدث الإمام الغزالي في كتاب:"إحياء علوم الدين وقال" إن سماع الغناء منه ماهو مباح، ومنه ماهو مستحب، وماهو واجب وماهو مكروة، وماهو حرام..!" ثم يقسم الغناء إلى سبعة أقسام بتفصيل يستحق الرجوع إليه والإفاده منه.
وإذا ألقينا نظرة عابرة على نصوص التحريم سنجد أن نصوص القرآن الكريم لاعلاقة لها من قريب أو بعيد بالغناء والموسيقى لاتحليلا ولاتحريما..ومن يراجع تفسيرات القرآن أو يتأمل معاني الآيات في سياقها يكتشف كم في كلامهم التأويلات البعيدة وغير الملزمة بحال..و
نكتفي بمثل واحد وهو قول الله تعالى:"ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله"..وهو نص لاعلاقة له بالغناء، ويكفي قول الإمام ابن حزم الظاهري:"إن نصها يشرح المراد منها، فإن من يريد الإضلال عن سبيل الله كافر بإجماع المسلمين..ولو أن أمرءا اشترى مصحفا ليضل عن سبيل الله لكان كافرا...!". وهكذا نستطيع تناول بقية مازعموه نصوصا قرآنية عن الغناء والموسيقى.
أما الروايات والأحاديث المنسوبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام فهي كثيرة بالفعل ، ولكنها كثرة لايُفرح بها، وكثرتها إلى قلة، وقد لاحظ أحد الفقهاء المتأخرين وهو الشيخ عبد الغني النابلسي (توفي عام1731م) في كتابه"إيضاح الدلالات في سماع الآلات" أن كل أحاديث التحريم على فرض صحتها تقرن الغناء باللهو المحرم ومايصاحب الموسيقى من منكرات ترفضها الشريعة.
أما الإمام ابن حزم الظاهري صاحب الكتاب العظيم"المحلى" فقد تناول أحاديث التحريم واحدا واحدا وبين أنها روايات واهية وموضوعة..ثم قال:"ولايصح في هذا الباب شئ أبدا،وكل ماورد فيه موضوع، والله لو أسند جميعه أو واحد منه عن طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماترددنا في الأخذ به..".
إجتهادات الفقهاء في فهم النص المقدس هي في النهاية إجتهادات بشرية لاتتسم بأي قداسة أو عصمة ، فالعصمة والقداسة هي للنص الخالص فقط ، لأن الفقه في النهاية إبن زمانه ومكانه ويتأثر بالملابسات والظروف..وهناك في الفقة مايسمى"تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان"..ونعلم أن الإمام الشافعي قد غير في مذهبه كثيرا من الآراء بعد تغير البيئة التي يعيش بها، فله مذهب قديم في بغداد ومذهب جديد في مصر..وهذا بحث واسع لانريد الإسترسال فيه.
هناك اجتهادات فقهيه معاصرة ومستنيرة في هذا الموضوع في كتابات شيخ الأزهر محمود شلتوت والشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي والشيخ علي الطنطاوي وغيرهم .
وعلى سبيل المثال ناقش الشيخ محمد الغزالي رحمه الله هذا الموضوع في كتابه الدامغ"السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" وخلص إلى قوله:"والحق ان الغناء كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح..".
من هذا يتضح لنا سيدي وأخي وصديقي : التريمي .
ان تحريم واباحة الغناء من المسائل التي اختلف فيها علماء الأمة ... وفي سقيفتنا زاوية خاصة بالغناء والسماع . وكلنا نشارك بنها ونتصفح مواضيعها ونستمتع ببعض موادها . ولا نعتقد اننا بذلك نخالف أمرا من أمور الشريعة . ولله الحمد فهي لا تلهينا عن ذكر الله وعن صلواتنا ولاعن قربنا من خالقنا ...
اما مسألة اقتراف المحرمات ومنها الزناء فلاعلاقة لها بالسماع اطلاقا . ومن كل طوائف ومدارس الامة نجد من يقع في المحرمات والشهوات ولا حول ولا قوة الا بالله