اقتباس :
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابونورا
[ مشاهدة المشاركة ]
|

 |
|
 |
|
عطار من الزمن الجميل!!
منذ ان غزا الشيب رأسي في عمر مبكره وانا استخدم الحناء الحمراء لصبغه لاخفاء شئ سبق زمنه بسنوات عديده فعمري ذاك كان المفروض ان لايزورني فيه الشيب الابيض وانا مازلت طفلا صغيرا ولكنها الوراثه التي كانت لي بالمرصاد فوالدي اطال الله بقاءه لن يورثني من حطام الدنيا الا جينات وراثيه ليس لي فيها اختيار 
كان شعري يبدو مثيرا عندما كان غزيرا وتعكس الشمس لونيه الاسود والاحمر فيلفت انتباه الناس وكنت دائم اجيب من يسأل : هذا شعري الطبيعي وسواء صدق ام لم يصدق فهذا شأن لا يعنيني 
مرت سنون وجاء الأطفال وأصبحت أكثر اهمالا لنفسي فلم يعد شعرا ابيضا يعنيني او يزعجني بل صرت أكثر أعجابا به فاللون الأبيض نورا للرجل ووقار ومهابه , ولهذا تركت الحناء الحمراء للتاريخ واصبحت قنوعا بمنظري وشكلي ولا ادري لم يهمل الرجال انفسهم بعد سنوات من زواجهم ولكني اهملت نفسي فقد وهبت وقتي ومالي لأطفالي وزوجتي واهلي فهم أولى مني ,
قبل شهورا عده وجدت زوجتي تعلن تذمرها من اللون الابيض وكأنها أعلنت حربا مقدسة عليه وتطلب مني شراء حنه سوداء , فقلت لها لايجوز للرجل أستعمال الأسود !!
فأصرت وأقنعتني أن السواد المنهي عنه هوا السواد بالصبغت الصناعيه ولكن الحناء السوداء ماده طبيعيه وجائزه 
طبعا كلامها غير صحيح بتاتا ولكن وافقت تحت أصرارها وشريت الحنة السوداء وكم كانت سرعتها وهي تصبغها لي وترجل شعري وتمتدحني واني عدت بالعمر 20 سنه , وكم أزعجتني بالفلاشات والكمرات وهي تصورني ليل نهار حتي اثناء نومي 
مضت ايام وشهور حتي أشتقت للشعر الأبيض من جديد وتمنيت أن أراه يزين مفرقي فلم أعد ذاك الطفل الصغير وأنتهزت فترة سفرها لزيارة أهلها ورمييت بالحناء بالشارع غير مأسوف عليها بل فكرت بشراء صبغة بيضاء 
ثم أندثر الموضوع ولم يعد له ذكر والتهينا بأعمالنا وتركنا الشعر يضرب يقلب وماعلينا منه بلا قلق حتى النساء لا يرهقن أنفسهن هذه الايام بشعورهن فما بالك بالرجال ,
هل قرأتم ماكتبت 
أرموه وراء ظهوركم فلا ادري لما كتبته ولكن بما اني كتبت وتعبت فسأتركه وأجبركم علي قراءته وربما أثبت الموضوع فأنا حر أسوي ما اريده وأشتهيه 
سبب هذه المقدمه هي طلب الوالده قبل عدة ايام مني شراء حناء سوداء لها فقالت : اريد حناء سوداء مثل اللي كنت تشتريها فذهبت للعطارين ولم أجد ذاك النوع الايراني الجيد الرخيص الثمن ووجدت صبغات عجيبه وغريبه لم تناسب أمي فتركتها حتي زارني أحد الأصدقاء الذي ينتمي لأسرة حجازيه كريمه عرفت بالمدينه المنوره بمشيخة العطارين منذ زمن دولة بني عثمان وتوارثوها كابرا عن كابر فأنتهزت الفرصه وطلبت منه الحناء الايرانيه فتبسم وقال : أنس يابونورا مافي السوق ولا كيس حناء ايرانيه خلاص بح 
سألته خير انشاء الله !!
قال : مع الحصار التجاري المفروض علي أيران لم يعد يأتينا منه شئ وقد كان الكيس يباع ب5 ريالات عادة فأرتفع الثمن عند بعض التجار الي 15 و 20 ريال
ولكن سأبحث لك أن وجدت كيس أو اثنين وهكذا أنتهى الأمر ,بعد أسبوع أتصل بي ابوغازي خشيم عالجوال وقال تعال يا ابونورا لقيت لك كم كيس فرحت له علي طول ماصدقت وقلت بيحسبه لي ب15 او 20 مثل السوق فأذا بي اقابل الشيخ ابو شاذي عميد ال خشيم وهو جالس في كرسيه بمحله الذي يفوح عبق العود والبن والهيل والحناء وكل عجيب وغريب من الأعشاب ومواد العطاره فكان الشيخ يرحب بي وأجلسني بجواره بعد ما عرفه ابو غازي علي بأني صديق له وجار ايضا 
طالت الجلسه مع ابو شاذي وقام يحكي لي عن العطاره والعطارين وعن عادات تجار أهل المدينه المنوره القدماء قبل أن يغزوها أبناء الباديه الأعراب ويحيلونها الي أطلال
حكى لي عن عمل التجار مع بزوع شمس الصباح الباكر وكيف كانت المحال التجاري متراصه بجوار بعضها عند باب السلام والروميه والعنابيه , وكيف كأنوا يفطرون مع بعض بسفر جماعيه ويتم البيع والشراء بالطيبه والسماحه فلا جشع ولا طمع فالكل سيأتيه رزقه لا محاله .
كان التاجر يأتيه الزبون ويطلب منه سلعة معينه فيقول له : أذهب عند جاري ابو فلان تلاقيه عنده فيرد الزبون طيب هذا هوا قدامك وترسلني عند جارك يقول له : انا استفتحت الصباح جاري لسه ما استفتح 
طبعا هذه الخصله انعدمت تماما هذه الايام الواحد وده يحرق محل جيرانه عشان يخلا له الجو
كانت الناس بساعة الظهر تقفل محلاتها المجاوره والملاصقه للمسجد النبوي وتدخل للصلاة تاركه محلاتها مشرعة الابواب بل أن بعض المحال بدون ابواب وكانت تغطي بشرشف او يوضع كرسي صغير وعليه عكاز او عصا صغيره بمعني المحل مقفول ولم يكن أحد يتجرأ يمد يده علي شئ او يسرق شئ 
ليس خوف من الحكومه او الشرطه ولكن كان الشرف العمله الرائجه تلك الايام البائده .
كانت الناس تلك الايام مستوره بالحجاب ومزينه بالخلق الحسن فلا تسمع صوت انثى ولا تراهم بالأسواق فهم مكرمات في بيوتهن ولم يكن بالمدينه من السكان سوى أهلها وقليل جدا من المصريين والسودانيين كمعلمين اما غالبية المقيمين فيها فكانوا من الحضارم واليمنيين ولم يكن للباديه في المدينه المنوره موضع قدم بل كانوا يبقون خارج اسوار المدينه حتي تشرق الشمس وتفتح الابواب ولا يمكن لغريب ان يدخل الا للسوق يضع ماعنده من مواد واعلاف وعروض تجاره وينصرف قبل غروب الشمس لانه لاتوجد فنادق ربما دور ضيافه ,
حكى لي عن الحجاج الذين لا يأمنون بطرق الحج بسبب تقطع قبيله حرب للطرقات الا عند وصولهم للمدينه المنوره فيدخل وفد الحجيج ومحامل الحج من مصر واليمن والشام والعراق يسكنون ديار اهل المدينه ضيوف واخوه كرام لا استغلال ولا اذى بالقول او الفعل
طالت الجلسه حتي قارب الظهر فأستاذنت معتذرا من الشيخ فقال لا ياولدي بلهجة الحجاز المحببه للنفس والله احوب الحضارم نعم الرجال قاسمونا عالحلوه والمره فشكرته علي لطفه وطيب معشره فقال ياولدي ابوك وين كان يشتغل 
قلت له كان مع الشيخ سالم بن محفوظ بالبنك الاهلي فنظر مستغربا وقرن حاجبيه ببعض وقال اش اسموا فقلت له اسم الوالد فقعد يتذكر وقال انا اعرفهم كلهم ميين هوا وذكر عبدالله باجمال ومحمد باراس وعبدالله بازيد وسعيد بافيل وذكر اسم الوالد فقلت له هذا هوا الوالد فقام وقال الله يرحمه ويغمد روحه الجنه قلت له : امين حلوه الرحمه والجنه بس الرجال لسه حي يرزق فقال ياولدي : الرحمه عالحي والميت وقال من زماان مابشوفه كان دايما عندنا يمر واذكر بالمواسم كنا نعبي الغله في شوالات كبيره وارسلها له البنك من غير مانعدها وكانت الثقه موجوده وذكر والدي بالخير ودعا له يوم عرف انه مقعد من 12 سنه لم يتحرك من فراشه شفاه الله وطلب من ابو غازي انو ياخذ رقمي عشان يحدد موعد لزيارة الوالد 
ومثل ابو شاذي من كباريه اهل المدينه الكثير تميزوا بالطبع اللطيف والكرم ومخافة الله صحيح تغيرت الاجيال اللي بعدهم ولكن الطيب والمنبت الحسن بذره تزرعها الاجداد للاحفاد وكل واحد اصله يرد عليه لا تغيرت الدنيا ,
خرجت من عند الجماعه وانا مبسوط لدرجة اني نسيت الحناء السوداء حقتي 
فأتصلت علي ابو غازي ووعد انه يجيبه عندي للمحل بالمساء وانا بأنتظار زيارة العم ابو شاذي والله يستر لايكون الوالد نسيه زي مانسي كثيرين بعد ما مرض وانقطع عن العالم والناس 
طالت الهرجه 
تمسوون علي خير, |
|
 |
|
 |
|
ايش هالموضوع الجميل يا ابونورا؟؟؟
كيف فاتني وما شفته,,,ربما انت كتبته في الفتره اللي انفطعت عن السقيفه..
ولا اعرف كيف تم جلبه من مغارة علي بابا...لكن فعلا موضوع جميل
صحيح انه الموضوع قديم,,,لكن فعلا اعجبني لانه يتعلق بالعطاره ,,,فانا اي بلد اروحها لازم اروح سوق العطارين,,انها بالنسبه لي عشق ابدي وادمان غير قابل للعلاج,,
ما اعرف ليش,,,بس فعلا احب رائحة التوابل والبهارات وكل ما يمثله هذا السوق من جماليات ,,ومعظم هذه المحلات مازال اصحابها يتمسكون بها وفاء للاباء والتاريخ,,,لانه الان اصبح كل شئ معلب ومحفوظ وجاهز
لكن لو اي ست جربت مره بانها تسوي هالبهارات بنفسها,,بعمرها بعد ذلك ما بتقبل بالجاهز...
اتذكر باني زرت سوق البهارات في دبي وهو في شارع نايف وشارع مرشد,,,كذلك في سوق العتبه بالقاهره وفي السعوديه في كل مدينه هناك سوق للبهارات وللعطاره..
فعلا موضوع جميل اعادنا للزمن الجميل وكل اللي قلته صحيح...زمان اصحاب المحلات كانوا يروحون للصلاه ويتركون المحل مفتوح ,,,لكنه زمن راح وولى
العولمه تكتسح كل شئ ونحن شهود على زمن جميل يوشك ان يغيب
خالص تقديري واحترامي ولا تحرمنا من امثال هالمواضيع الجميله